معادلة سورية مقابل “إسرائيل” لن تجر المنطقة إلى حرب عالمية ولا حتى إقليمية.. محور الممانعة عليه التحرك في ساحة الخصم، وإلا فلتتصرف سورية وفق مقتضيات مصالحها القومية.. الحرب الإقليمية يخشاها الغرب، ولهذا السبب يعمل للانقضاض على سورية بحرب استنزاف طويلة، لتكون إيران وحزب الله المرحلة التالية.. روسيا والصين يعرقلان المشاريع الأميركية، لكنهما حتى الآن يعتمدان سياسة دفاعية، والمطلوب التحرك هجومياً.
عضو كتلة “الوفاء للمقاومة”؛ النائب العميد الوليد سكرية شرح لـ”الثبات” وجهة نظره للمشهد السوري – الإقليمي، وكيفية معالجة الوضع، ولكم الحوار الآتي:
لمعرفة المشهد الإقليمي عن كثب، يفسر النائب الوليد سكرية طبيعة الصراع وماهية أبعاده، وموقع سورية الاستراتيجي.. برأيه، صمود سورية أو عدمه يقرر مصير نظام الشرق الأوسط الجديد، والنظام العالمي الجديد، يقول: “سورية هي الدولة العربية الوحيدة التي تعيش حالة حرب مع إسرائيل، والانسحاب الأميركي الذي تم من العراق سيعزز الجبهة السورية – الإيرانية، ما يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وللمشاريع الأميركية في المنطقة، وستكون نتيجته تحرراً أكيداً للبلدان العربية من النفوذ الأميركي الغربي”.
يلفت سكرية إلى أن “التفوق العسكري لإسرائيل يُركع حكام العرب أمام أميركا، ومن لا يرضخ لتلك المطالب، فهناك التأديب الإسرائيلي بالنيابة عن أميركا، لهذا السبب فإن صمود دمشق في وجه الضغوطات الغربية سيعزز تحالفها مع إيران بانضمام العراق، وسيحقق تفوقاً لا مهرب منه لهذا المحور آجلاً أم عاجلاً، من هنا العمل جار بمختلف السبل لكسر سورية”.
يكمل سكرية حديثه: “بدل أن تكون سورية إحدى دول الطوق التي تُحرج إسرائيل، ستشكل دمشق مع عمان والقاهرة عندئذ دول حزام أمان لها، وستنتهي قضية فلسطين إلى أجل غير مسمى، وستزود دولة إسرائيل بالأمان لعقود من الزمن، بعد إغراق المنطقة بأتون الصراعات المذهبية وما شاكل، وبالتالي ستُعطل أي قوة عربية (العراق) أو إسلامية (إيران) من إمكانية الحرب مع إسرائيل، لفقدانهما الحدود مع إسرائيل، وفي مثل هكذا معطيات سيتحقق التفوق الإسرائيلي المطلق على الدول العربية، وسيتكوّن الشرق الأوسط الجديد الذي تطمح إليه أميركا وإسرائيل”.
برأي النائب سكرية نحن أمام خيارين، إما شرق أوسط تكون فيه الغلبة لأميركا وإسرائيل، وإما شرق أوسط تكون فيه الغلبة لدول الممانعة، ولا مجال للتسوية في هذا المجال، والسيطرة على الشرق الأوسط مؤشر للسيطرة على العالم، ومن هنا نفهم مواقف روسيا والصين ودول “البريكس” الداعمة لسورية للحفاظ على مصالحهم الحيوية (بترول وغاز وموقع ونفوذ)، يقول: “خروج الأسطول الروسي من المياه الدافئة، يعني خروجه من مياه بحر المتوسط الدافئة، ويعني ذلك انحساراً لنفوذه في بحر قزوين، لتصبح عندئذ روسيا دولة من دون مخالب، وهكذا ستتحول موسكو إلى لاعب من الصنف المتوسط، لأنها والصين ستقعان تحت رحمة التأثير الهيمنة الأميركية في المنطقة، وحاجة الصين للمواد النفطية توازي في هذا المجال حاجة قارة أوروبا وحدها”.
الورقة السورية الرابحة
وماذا بعد استمرار الهجوم المركّز من قبل أميركا وحلف شمال الأطلسي على سورية، وغياب خطة المواجهة لمحور الممانعة في المنطقة؟ لم لا تُنقل الأزمة إلى داخل الملعب الآخر؟ يرد عضو كتلة الوفاء للمقاومة الوليد سكرية: “حتى الآن نشهد هجوماً غربياً على سورية، أسقطوا النظام الليبي بالقوة، واستفادوا من الثورات العربية لتعزيز وجودهم أو فرملتها على الأقل، الموقف الصيني – الروسي يمنع حصول تدخّل خارجي، لهذا السبب هناك مساعٍ لإشعال الفتنة الداخلية في سورية، بدعم المعارضة المسلحة السورية بالمال والجهاديين والأسلحة والإعلام، فصحيح أن سورية حتى اليوم تعتمد سياسة الدفاع، لكنها لم تفقد المبادرة في نقل المعركة إلى إسرائيل، برأيي إن استمرار الوضع على حاله سيضعف سورية ومحور الممانعة، فالجيش السوري، ورغم تكبيده الإرهابيين خسائر فادحة، هناك استنزاف للدولة السورية ولجيشها على المدى البعيد، وهناك تدمير ممنهج لمعظم مدن سورية”.
يسأل سكرية: “وماذا بعد؟ سياسة لحس المبرد مع استمرار النزف السوري يرهق الدولة السورية، ويغرقها في مستنقع التمذهب السني – الشيعي، وبالتالي على دمشق وطهران وموسكو درس خيار نقل النزف إلى الداخل الإسرائيلي، وفي حال تريّث إيران وروسيا، فبإمكان سورية منفردة إشعال الحرب مع إسرائيل، لأن سورية اليوم قادرة بجيشها وصواريخها، المقدرة بعشرات آلاف الصواريخ، على إيذاء إسرائيل وأكثر، لكن في ظل استمرار النزف الداخلي ستغرق سورية في مستنقع الدماء، فاندلاع الحرب العسكرية مع تل أبيب سيعيد التوازن الإقليمي إلى محور سورية، وسيُحرج العرب وتركيا، وسيجعل إسرائيل تعيش خطراً وجودياً حقيقياً، لأنه في المحصلة النهائية الدمار التي سيُلحق بسورية لن يكون أكثر من الدمار الذي سينتج من المعارضة المسلحة الداخلية”.
مصلحة سورية العليا
وعن قدرات فريق الممانعة في الضغط على أميركا في ملعبها، يشير سكرية إلى إمكانية الإيذاء في الخليج وأوروبا، وغيرها من المناطق، يقول: “ليس بالضرورة أن يكون الرد في سورية، الاستمرار برد الضربات لن يحفظ سورية على المدى البعيد”.
سألناه: وهل ستعمد سورية لإشعال الحرب مع “إسرائيل” من دون التنسيق مع ايران وروسيا؟ يجيب النائب سكرية: “التنسيق مع روسيا وإيران حاصل، والدعم في المحافل الدولية متوفر، لكن المصلحة الحيوية السورية تقتضي سياسة هجومية لا دفاعية”.
قاطعناه مشيرين إلى احتمال اندلاع حرب عالمية، لأن الغرب لن يتفرج على سقوط “إسرائيل”، والشرق لن يتوانى عن دعم سورية؟ يرد النائب وليد سكرية: “ليس بالضرورة، لأن اندلاع حرب بين سورية وإسرائيل قد لا تنجر إليه لا أميركا ولا إيران، وقد تنتهي بسورية وإسرائيل، الحالة ستشبه حرب تموز، ولكن بحجم أكبر وتداعيات أكبر، وفي مثل هذه الحالة سيدعم الأميركي إسرائيل بالسلاح ولكنه لا يستطيع التورط عسكرياً مع إسرائيل على الأرض لقتال سورية، لأنه سيكون موقفه محرجاً للغاية أمام الشعوب العربية، وبالتالي هل تركيا تستطيع الدخول في حرب ضد سورية عندما تكون الأخيرة في حرب ضد إسرائيل؟ يضيف العميد سكرية: “في حال قرر الأطلسي أو تركيا الحرب إلى جانب إسرائيل، ستتدخل إيران في الحرب إلى جانب سورية، وعندئذ سينتقل الصراع إلى حرب إقليمية، لتشمل الشرق الأوسط كاملاً؛ من أفغانستان إلى فلسطين، ومن بحر قزوين شمالاً إلى الخليج العربي والمحيط الهندي جنوباً، وحينها أيضاً ستُضرب كل المصالح الأميركية في المنطقة”.
الغرب يلعب بذكاء
يتابع النائب سكرية سرد توقعه: “أهون على الأميركيين أن تنتهي الحرب بين إسرائيل وسورية من أن تندلع حرب إقليمية واسعة ليست لصالحهم، وفي النهاية أعتقد أن القيادة السورية تدرس كل الاحتمالات، بما فيها خيار جر إسرائيل إلى الحرب، لأنه أفضل لسورية أن تخرب في حرب مع إسرائيل من ان تخرب في حرب داخلية يقوم بها عملاء إسرائيل بالإنابة، وبهذا التصرف تستطيع سورية قلب الطاولة على جميع اللاعبين؛ تركيا وقطر والسعودية، لأن السؤال سيكون: من يحارب إسرائيل؟ ومن يدعم فلسطين ومن يتآمر على العرب وسورية خدمة للمصالح الإسرائيلية”؟
برأي سكرية، الغرب يلعب سياسة ذكية، “فإغراق سورية بالدماء سيضعف الدولة والنظام والجيش في تداعيات المعارك الداخلية، وخطط الغرب لا تتوانى، تفشل إحداها فتأتي الأخرى، الكلام عن دمشق وتحرير دمشق كان هدفه عد العدة لحلب لتحويلها منطقة آمنة في الشمال على الحدود التركية، ولتصبح بؤرة لتمركز المجاهدين الآتين من كل أصقاع الأرض، وبالتالي فإن حسم المعركة لصالح الجيش السوري سيكون مكلفاً لناحية خراب مدينة حلب”.
يشير سكرية إلى أن أخذ أهل حلب رهائن من قبل المرتزقة والتكفيريين، سيبطئ من حركة الجيش السوري لتحرير المدينة”.
نأي لبنان عن سورية مطلب غربي
وعن انعكاس ازمة سورية على لبنان، يؤكد سكرية أن الأوضاع في بيروت على حالها؛ لبنان منذ ما قبل اندلاع الأزمات العربية كان الساحة الوحيدة المتحركة في المنطقة، وكانت أميركا تستغل ضعف بنيته للدفع بمشروعها الشرق الأوسطي الجديد، يقول: “توجيه القرار الظني باغتيال الحريري تجاه حزب الله كان مقدمة لفتنة مذهبية سنية – شيعية تبدأ من لبنان، بغية الانتقال بها إلى كافة الدول العربية، للإيحاء للشعوب العربية أن عدوهم الأساسي هو إيران وليس إسرائيل، وبالتالي فإن السلام مع الأخيرة أجدى وأنفع من الخطر الإيراني”.
ويقول سكرية أيضاً: “سلاح المقاومة في لبنان بمعزل عن سورية لا يمكنه حسم التفوق لحزب الله على إسرائيل، لهذا السبب اليوم سورية بصمودها ستتقرر مصير المنطقة بأسرها، ولهذا السبب يريد الغرب من لبنان اعتماد سياسة النأي عن الذات، لأن الاستقرار اليوم يفيدها”.
وعن توقع توجه الأحداث الإقليمية إيجاباً أم سلباً، يرى الوليد أنه لا مجال للتسوية في الصراع الإقليمي، “لا تراجع عن السير بمعركة كسر العضم، التسوية بين إسرائيل من جهة وسورية وايران من جهة أخرى لم تعد صالحة، واليوم في ظل الظروف الراهنية لا مجال أيضاً للالتقاء بين روسيا والصين من جهة وأميركا وشمال الأطلسي من جهة ثانية”.
سألناه عن الواقعية العملانية التي تشير إلى عدم قدرة أي من الأطراف حسم المعركة لصالحه، يرد العميد سكرية: “حرب الاستنزاف ليست لصالح سورية، بل لصالح معسكر أميركا، والنظام السوري هو من يتآكل، والجيش السوري هو الذي يُستنزف، وبالتالي أميركا ستستمر بمشروعها رغم تعثره، والحل يجب أن يكون باعتماد سياسة الهجوم، وأحد الحلول برأيي هو بنقل الحرب إلى إسرائيل”.
سيريان تلغراف | الثبات