قد تظن أن هذه الصورة لوحش قادم من كوكب فضائي أو أحد أفلام الخيال العلمي، لكن الحقيقة المدهشة هي أن هذه الصورة وكل الصور التي تشاهدها في هذا الموضوع هي لكائنات حية من كوكبنا الأزرق .. كوكب الأرض .. غير أنها تعيش بعيدا عنا هناك في قاع المحيط الهادي، على بعد أكثر من أربعة كيلومترات من سطح البحر تحت الضغط الشديد وفي الظلام القاتم .
نتمي هذه الكائنات لعائلة تسمى Scale Worms أو ما يمكن أن يعرب بالديدان القشرية المنتمية للصف البيولوجي المسمى متعددة الأشواك Polychaeta .. التي تندرج بدورها تحت شعبة الديدان الحلقية Annelida، هذه الشعبة تضم العديد من الديدان المعروفة كدودة الأرض مثلا .. تم اكتشاف هذه الكائنات في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي على يد عالم أحياء البحار الفرنسي دانييل ديسبرويير.
على مدى أكثر من ثلاثين عاما ظل هذا العالم وفريقه يخوضون بعثات علمية مستمرة للاتصال بقاع المحيط عن طريق غواصات خاصة مصممة لتحمل الضغط العالي جدا ومزودة بمعدات للتصوير ولإلتقاط العينات، احتار العلماء في كيفية تكيف هذه الكائنات – التي يتراوح طولها بين عدة ميليمترات وعدة سنتيمترات – للعيش في هذه البيئة القاسية .. وكيف تستطيع تحمل الضغط الشديد والبرودة القارصة في قاع المحيط .. ووجدوا أنها تعيش قرب ما يسمى بالفتحات الحرارية المائية Hydrothermal vent وهي شقوق موجودة على قاع المحيط قرب مناطق التقاء صفائح القشرة الأرضية التي تكثر عندها الزلازل والبراكين
توفر هذه الفتحات تيارا من المياه الساخنة – التي تصل درجة حرارتها إلى 80 درجة مئوية – وخليطا من المواد الكيميائية القادمة من جوف الأرض مما يخلق بيئة تتكاثر عليها هذه الأنواع الغريبة من الحياة ، لهذه الكائنات فم به مايشبه الفك الذي يحتوي على بروزات تماثل الأسنان .. لكن الغريب أن هذا الفك بإمكانه أيضا الانقلاب نحو الداخل .. ووظيفته إمساك وابتلاع البكتيريا والكائنات الميكروسكوبية الأخرى للغذاء عليها
تلك البكتيربا والكائنات مجهرية الأخرى التي تعيش في هذه البيئة ما زالت لغزا يحير العلماء .. إذا أن وجودها يبعث على التساؤل عن كيفية تكوينها لغذائها .. حيث لا ضوء شمس يصل إلى هناك وبالتالي ليس لإمكانها القيام بعملية التمثيل الضوئي وانتاج الغذاء بنفسها كما يحدث في النباتات والطحالب .. والتفسير الأكثر قبولا أنها تقوم بعمليات استقلابية بيوكيميائية غير تقليدية من نوع آخر لا تحدث في الكائنات المعرضة لضوء الشمس !
وختاما يبدو أن الانسان مهما بلغت معارفه فهو يظل طفلا يتعلم في عالم مليء بالأسرار الغامضة.
سيريان تلغراف