تقسيم سورية حلمٌ عمره مائة عام، فشل سابقاً لكنه بقي مدوناً في الأجندات الغربية وقيد التنفيذ متى توفرت الظروف ولما لم يسمح الجيش السوري بتنفيذه لعام ونيف من عمر الأزمة السورية فقد قرر الغرب الاستعانة بالعامل الخليجي وأدواته الاعلامية عل التقسيم يُسرب عربياً كما يُسرب السلاح والإرهاب إلى الداخل السوري ..
حيث كانت قد تناولت وسائل الإعلام ما كشفت عنه صحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة في لندن عن اعتزام الرئيس السوري بشار الأسد إقامة دولة علوية عاصمتها اللاذقية ، وذلك بعد زيادة الضغوط الدولية عليه ، وتصاعد وتيرة الهجمات التي تشنها قوات المعارضة ضده وضد قواته .
وادعت الصحيفة بأن الأسد قد انتقل إلى تطبيق الخطة (ب) والتي تقضي بالبدء في إقامة الدولة العلوية ، وفي هذا السياق أكد معارض بارز لنفس الصحيفة أن الأسد قام فعلاً بنقل جزء كبير من المخزون المالي الاحتياطي في المصرف المركزي السوري إلى مدينة طرطوس القريبة من مدينة اللاذقية ، وكذلك تخزين وسائل لوجستية وتجهيز مراكز أمنية .
كما أشار أحد الخبراء العسكريين والإستراتيجيين إلى أنه في حال قيام الدولة العلوية فلن يكون هناك رادع من قيام الدولة الكردية ، وبالتالي سيؤدي إلى تفتيت المنطقة وإعادة رسمها وتخطيطها من جديد ، مؤكدًا أن هذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة وتروّج له ، لأنه وحسب رأيها المخرج الوحيد للأزمة ، كما فعلت بالعراق وكردستان .
ما تروج له صحيفة الشرق الاوسط على وجه التحديد بات سارياً على وسائل الإعلام الخليجي وكتّابه حيث نشر موقع إيلاف السعودي تقريراً ركزت فيه على تأسيس ما سمته الدولة العلوية وطرحتها كحل للاقتتال الطائفي الذي يسعى الخليج لاقحام السوريين فيه .
تُناقَش اليوم خطة بديلة في حال لم يستطع الأسد القضاء على الثوار : انسحاب العلويين إلى معقل لهم في مناطق أقصى الغرب الجبلية المتمحورة حول مدينة اللاذقية الساحلية ، حيث يمكن تأسيس دولة علوية ، فبفضل القاعدة الروسية في طرطوس والملايين المكدسة في المصارف الأجنبية ، بإمكان آل الأسد نظرياً الصمود فترة كافية لبناء دولة .
لا شك أنه مع سقوط الرئيس بشار الأسد ( وهذا لن يحدث ) ، سيتعرض العلويون ، الذين يشكلون أقلية تنتمي إلى الشيعة في سورية ذات الأغلبية السنية ، لأعمال انتقامية .
نظراً إلى هذا الواقع ، من الطبيعي أن يخاف علويون كثر على سلامتهم بعد سقوط الأسد ، وخصوصاً أن الأقلية العلوية حكمت هذا البلد ذي الاكثرية السنية طوال أربعة عقود .
وأما في تقرير بثته قناة الجزيرة القطرية ادعى مراسلها سعي النظام لإفراغ قرى سنية تمهيداً للتقسيم ، ورصد تقرير آخر في الإعلام الإلكتروني الخليجي آراء كتاب ومحللين صحفيين أكدوا فيه أنه بعد تفجير مبنى الأمن القومي السوري في دمشق ، والذي أودى بحياة المقربين من الرئيس السوري بشار الأسد ، أصبحت دمشق تحت سيطرة الجيش الحر ، وبات النظام على وشك السقوط ، مشيرين إلى أنه ربما ينشئ دولة علوية في المنطقة الساحلية ، ومحذرين من استخدامه للأسلحة الكيماوية في لحظات اليأس الأخيرة .
كما ويطلق الكاتب والمحلل السياسي يوسف الكويليت أكثر من تحذير ، ويقول : “نظام ينتحر لا بد أن يقود المعركة إلى حدود أخرى ، فقد يستخدم مخزونه من الأسلحة الكيماوية في عملية إبادة شاملة “، ويضيف الكويليت : “بالنسبة لحكومة النظام فالخيار قد يكون الهروب من دمشق إلى مناطق أو منطقة توفر الحماية ، ويرى الكويليت أن الرئيس السوري قد يلجأ لإنشاء دولة علوية على الساحل ، ثم يرصد ردود الأفعال ويقول : “المعروف أن العلويين ، وقبل جلاء المحتل الفرنسي ، حاولوا إنشاء دولتهم على الساحل ، وقد يكررون الرغبة في إحداث تغيير جغرافي يؤدي إلى تمزيق سوريا إلى دويلات “.
وكما لم تسلم فتنة سعودية من بصمات عبد الرحمن الراشد كذلك ظهرت في قضية التقسيم الطائفي لسورية حيث كتب أنهلا أستبعد أن بشار الأسد ، يتخيل أنه يستطيع غدا أن يرمي بمفتاح العاصمة ، ويفر إلى اللاذقية ، أو أي من مدن الشريط الساحلي المحمي بسلسلة جبلية في غرب البلاد ، ويظن أنه يستطيع إقامة دويلته هناك ويستأنف نشاطه ، بعد فشله عسكرياً لم يتبق له سوى الهرب إما إلى روسيا ، وإما إلى إيران ، وإما إلى ما قد يعتبره ملاذه العائلي .
وهناك إشارات تدل على نياتهم إقامة دولة ساحلية ، فقد سعت قواته في الأشهر الماضية إلى تهجير سكان عدد من المدن والقرى المحاذية ، نحو نصف حمص ، من أجل وضع علامات حدودية تفرض واقعا طائفيا على الأرض ، كما حدث في لبنان .
بات واضحاً أن كل شئ في الخليج بات مسخراً لخدمة المشيئة الأميركية ، من فتاوى دينية إلى الترسانة العسكرية والمواقف السياسية والإعلامية ، ولن تكتمل المواقف السعودية ما لم تطبعها بطائفيتها المقيتة ، ومشروع التقسيم الذي تسعى المملكة السعودية لتسريبه إلى سورية وإلصاق التهمة بالنظام السوري ، ليس سوى استكمالاً لفتاوى مشايخ آل سعود وآل ثاني ولعبها على الوتر الطائفي ..
سيريان تلغراف | عربي برس