Site icon سيريان تلغراف

ربيع الغاز

قدرت هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية (USGS) النفط والغاز غير المكتشف فى منطقة مياه دلتا النيل بنحو 223 تريليون قدم مكعب، وقال التقرير المنشور على موقع هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية إن تقديرات حجم احتياطيات البترول فى هذه المنطقة يقدر بحوالى 1763 مليون برميل من النفط ومتوسط يقدر بـ223 تريليون قدم مكعب من الغاز، فيما قدر احتياطيات الغاز فى السواحل التى تطل عليها إسرائيل ولبنان بما لايقل عن 120 تريليون قدم مكعب من الغاز.

وأوضحت أن منطقة «المخروط النيلى» الواقعة فى منتصف المياه البحرية المصرية تستحوذ على أكبر الموارد ويقدر حجمها بـ217.313 مليار قدم من الغاز، و5.789 مليون برميل من الغاز الطبيعى المسال.

– الحقلان المعلن عنهما في المياه الإقليمية لإسرائيل يحتويان على ضعف ما تحتوية الحقول البريطانية فى بحر الشمال وتقدر قيمتها بحوالى700 مليار دولار، وكان متوقعا أن يبدأ الإنتاج من حقل تمار عام 2012، لكن تكاليف الإنتاج سوف تكون مرتفعة إلى حد يصعب معه التكهن بالجدوى الاقتصادية منها – على الأقل فى الوقت الراهن والمستقبل القريب – لذلك ربما يكون وراء إعلان تلك الاكتشافات أهداف سياسية إقليمية ودولية.

لم تكن سورية بعيدة عن الصراع على الغاز في العالم والشرق الأوسط، ففي وقت أزمة اقتصادية أمريكية وصلت بالدولة العظمى الوحيدة إلى حجم دين عام مقداره 14.94 تريليون دولار، أي بنسبة 99.6% من الناتج الإجمالي، وفي ظلّ تراجع النفوذ الأمريكي في مواجهة قوى صاعدة كالصين والهند والبرازيل بات واضحاً أن البحث عن مكمن القوة لم يعد في الترسانات العسكرية، إنما هناك … حيث توجد الطاقة.

وهنا بدأ الصراع الروسي – الأمريكي يتجلى في أبرز عناصره.

شهدت الفترة الأخيرة سباقا استراتيجيا بين مشروعين للسيطرة على أسواق الغاز في أوروبا من جهة،  وعلى مصادر الغاز من جهة أخرى.

1-المشروع الأمريكي نابوكو: ومركزه آسيا الوسطى والبحر الأسود ومحيطه فيما موقعه المخزِّن هو (تركيا) ومساره منها إلى بلغاريا فرومانيا ثم هنغاريا فالتشيك وكرواتيا وسلوفانيا فإيطاليا.

2-المشروع الروسي في شقيه الشمالي والجنوبي

أ‌- السيل الشمالي: ينتقل من روسيا إلى ألمانيا مباشرة ومن فاينبرغ إلى ساسنيتز عبر بحر البلطيق.

ب‌- السيل الجنوبي: ويمر من روسيا إلى البحر الأسود فبلغاريا ويتفرع إلى اليونان فجنوب إيطاليا وإلى هنغاريا فالنمسا.

كان من المقرر أن يسابق مشروع نابوكو المشروعين الروسيين إلا أن الأوضاع التقنية أخرت المشروع إلى عام 2017 بعد أن كان مقرراً عام 2014، مما جعل السباق محسوماً لصالح روسيا، في هذه المرحلة بالذات، ما استدعى البحث عن مناطق دعم رديفة لمشروع نابوكو وتتمثل في الغاز الإيراني الذي تصر الولايات المتحدة على أن يكون رديفاً لغاز نابوكو ليمر في خط مواز لغاز جورجيا(وإن أمكن أذربيجان) إلى نقطة التجمع في أرضروم في تركيا.

وكذلك في غاز منطقة الشرق الأوسط (إسرائيل وسورية ولبنان).

وبالقرار الذي اتخذته إيران ووقعت اتفاقياته لنقل الغاز عبر العراق إلى سورية في شهر تموز/يوليو 2011 تصبح سورية مركز منطقة التجميع والإنتاج بالتضافر مع الاحتياطي اللبناني، ويظهر فضاء استراتيجي – طاقي يُفتح لأول مرة من إيران إلى العراق إلى سورية فلبنان.

الأمر الذي يفسر حجم الصراع على سورية ولبنان في هذه المرحلة وبروز دور لفرنسا التي تعتبر منطقة شرق المتوسط منطقة نفوذ تاريخية .

فرنسا تريد أن يكون لها دور في عالم (الغاز) حيث اقتطعت لنفسها بوليصة تأمين بخصوصه في ليبيا وتريد مثلها في سورية ولبنان.

مع بدء اسرائيل عام 2009 استخراج النفط والغاز بات واضحاً أن حوض المتوسط أصبح داخل اللعبة وأن على سورية أن تعدّ لمواجهة عدوان، أو لدخول عصر سلام طويل في المنطقة.

المعلومات المتوفرة تقول إن هذا الحوض هو الأغنى في العالم بالغاز حيث يؤكد معهد واشنطن أن سورية ستكون الدولة الأغنى وأن الصراع بين تركيا وقبرص سيستعر نظراً لعدم قدرة أنقرة على تحمل خسارتها لغاز نابوكو (رغم أن موسكو وقعت عقداً في 28/12/2011 مع أنقرة لتمرير جزء من السيل الجنوبي عبر أراضيها).

في هذا الوقت تشعر تركيا أنها ستضيع في بحر صراع الغاز طالما أن مشروع نابوكو متأخر ومشروعا السيل الشمالي والسيل الجنوبي يستبعدانها فيما غاز شرق المتوسط بات بعيداً عن نفوذ نابوكو وبالتالي تركيا.

وضع مشروع نابوكو لنقل الغاز من تركيا إلى النمسا عبر 3900 كم ولتمرير 31 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من منطقة (الشرق الأوسط) وقزوين إلى الأسواق في أوروبة.

ولعل اللهاث الأمريكي – الفرنسي (الناتوي) وراء حسم الأمور في منطقة شرق المتوسط وتحديداً سورية ولبنان يكمن في ضرورة تأمين أوضاع (هادئة وموالية) لاستثمار ونقل الغاز وهو ما ردت عليه سورية بتوقيع عقد لتمرير الغاز من إيران إلى سورية عبر العراق، لكن يبقى الغاز اللبناني والسوري محور الصراع من أجل إلحاق هذا الاحتياطي بغاز نابوكو أو بغازبروم عبر السيل الجنوبي.

ولعل أكثر ما يشكل خطراً على نابوكو هو أن تقوم روسيا بدفن الأخير من خلال التفاوض على عقود أكثر أفضلية وتنافسية لإمدادات الغاز لتصب في غازبروم بسيليها الشمالي والجنوبي وقطع الطرق على أي نفوذ (طاقي) وسياسي لأمريكا أو أوروبة في كل من إيران وشرق المتوسط، فضلاً عن أن تكون غازبورم من أهم مستثمري حقول الغاز حديثة العهد في كل من سورية ولبنان، إذ لم يكن اختيار التوقيت في 16/8/2011 صدفة حين أعلنت وزارة النفط السورية عن اكتشاف بئر غاز في منطقة قارة وسط سورية بما يحقق إنتاجية بقدرة 400 ألف متر مكعب يومياً أي ما يعادل 146 مليون متر مكعب سنوياً دون أي حديث عن غاز البحر الأبيض المتوسط.

الولايات المتحدة في سعيها للحفاظ على وضعها كدولة عظمى وحيدة تعمل مابوسعها لإبقاء السيطرة على مصادر الطاقة التقليدية ولفرض السيطرة على منابع الطاقة حديثة العهد، وبما أنه صار واضحا أن الطاقة النظيفة أي الغاز هي وقود القرن الحادي والعشرين، فإن الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة تلهث خلف تغييرات في مناطق وجود حقول الغاز تضمن لها إمكانية االاستخراج والنقل.

هذا لايعني بالضرورة تفضيل الغرب هذا النظام السياسي على ذاك، لكنه يفترض إضعاف بلدان الاستخراج وتشتيت قواها السياسية، ما يضع أوراق ضغط رابحة في يد الغرب لاسيما الولايات المتحدة تستخدمها للمحافظة على حالة توازن غير مستقر في بلدان الاستخراج والتصدير بحيث تكون لديها القدرة على تحويل المنطقة بسهولة إلى بؤرة توتر لدى الضرورة.

هذه الحالة تضمن لأمريكا الحفاظ على وضعها طالما بقي الغاز مصدرا للطاقة، لأنها تضمن سيطرتها على الغاز وطرق نقله وعلى أسعاره أيضا بغض النظر عن موالاة الأنظمة أو عدائها في البلدان المنتجة.

رائد كشكية | موسكو

Exit mobile version