Site icon سيريان تلغراف

تحريك ملف الأسلحة الكيماوية ضدّ سورية .. خلفيات وأهداف .. قلم د أمين حطيط

مباشرة بعد نجاح سورية في احتواء الحلقة الاخطر حتى الآن من الهجوم العدواني الذي تتعرض له منذ 17 شهراً، وهي الحلقة التي اطلق عليها المعتدي اسم «بركان دمشق…زلزال سورية «، زجت جبهة العدوان ملف الاسلحة الكيماوية في الصراع،

واختلقت فرضيات ثم بنت عليها من اجل متابعة الضغط على سورية وحلفائها وتهيئة الظروف المناسبة لاميركا لتحقيق اهدافها من العدوان. وقد روجت هذه الجبهة عامة واميركا و»اسرائيل» بشكل خاص امورا اختلقتها من اجل تحضير البيئة تلك، سواء من خلال وضع السيناريوهات وتحديد المخاطر، او من حيث التداعيات ووجوب التدخل، ما يطرح الاسئلة حول احتمال نجاح اميركا في لعب ورقة الاسلحة الكيماوية وصولاً الى تحقيق الغرض المنشود.

أ‌. قبل الاجابة على هذه الاسئلة، لا بد من التذكير بان الاسلحة الكيماوية تعني بشكل عام المواد التي تعد وتصنع للفتك العشوائي بالبشر والبيئة، والتي تصيب الانسان وتحدث الاضرار فيه عن طريق الجهاز التنفسي كالغازات السامة، او التأثير على الجلد كالمواد المتسببة بالحروق او المؤثرة على الجهاز الهضمي او الجهاز العصبي والتي تقود الى الموت او الاعياء والشلل او التخدير وفقدان الوعي بشكل دائم او موقت. كما تؤثر الاسلحة الكيماوية في كثير من الاحيان على البيئة ومكوناتها الطبيعية خاصة النباتات والماء. ولهذا السبب عُدت هذه الاسلحة احد انواع أسلحة الدمار الشامل الثلاثة (النووي، الجرثومي، الكيماوي N.B.C)، السلاح الذي يتعدى بتأثيره الهدف المستعمل ضده في حدوده ومكانه وزمانه ليتراخى التأثير ويمتد الى فترات زمنية قد تطول وتقصر وفقاً لنوع المادة المستعملة، وهو بذلك يشكل سلاحاً قد يتسبب بالابادة الجماعية، وهي الجريمة المحرمة دولياً والمعاقب عليها وفقا لقواعد القانوني الدولي الجزائي. ولهذا نجد ان استعمال هذا السلاح مقيد بقواعد صارمة تفرضها الجيوش على نفسها ذاتيا كما تنص عليها قواعد القانون الدولي الانساني وقانون الحرب.

وان اهم ما يسجل هنا لجهة الاستعمال هو الامتناع التلقائي لمالك السلاح عن استعماله في ارضه وحصر الاستعمال على ارض الخصم في حدود ضيقة تفرضها حالة الضرورة والتناسب، وهما من قواعد قانون الحرب. وكذلك نجد ان للمستعمل ايضاً نوعاً من خصوصية وقوة تمكنه من التفلت من الملاحقة في ما لو استعملها ضد عدو او هدف لم يوجب واقعه اللجوء اليها. ولهذا نرى ان قلة من الدول لجأت الى استعمال الاسلحة الكيماوية في نزاعاتها وحروبها. ولم يسجل في منطقة الشرق الاوسط الا دولتان لجأتا الى ذلك هما: «اسرائيل» التي استعملتها ضد لبنان وغزة، وعراق – صدام حسين الذي استعملها ضد ايران وضد مدينة حلبجة العراقية بعلم ورعاية من الجهات الغربية التي زودته بها وكانت تشجعه على فعلته، ولم تحرك تلك الدول ساكنا في البدء داخل مجلس الامن او خارجه رفضاً لذلك خاصة ضد «اسرائيل».

ب‌. والآن ورغم ان سورية اعلنت وبكل وضوح انها ليست بصدد اللجوء الى الاسلحة الكيماوية في سياق معركتها الدفاعية عن كيانها وسيادتها ووحدة اراضيها المستهدفة من قبل جبهة العدوان عليها، وانها ملتزمة بالامتناع التلقائي عن ذلك لسببين: اولهما رفض مطلق لاستعمال هذا السلاح على الارض السورية وفقاً لما يفرض المنطق والحرص على الذات، فلا يمكن للمرء ان يجلد نفسه ويؤذيها تحت عنوان الرد على خصم تحرك على ارضه، والثاني وهو لا يقل اهمية عن الاول، ويتعلق بالوضع الميداني والقدرات العسكرية السورية الدفاعية، حيث ان سورية ما زالت هي المسيطرة بشكل عام على اقليمها، رغم وجود حالات متناثرة اهتزت فيها تلك السيطرة، ولكنها حالات ليست مستعصية على السلاح التقليدي في كل الاحوال. وقد اظهرت معركة دمشق الاخيرة التي اعقبت الجريمة الارهابية الكبرى التي نالت من قادة كبار في خلية الازمة السورية، اظهرت هذه المعركة المستوى والقدرات العالية للقوات المسلحة السورية التي تمكنت من صد هجوم قام به اكثر من 12 الف مسلح وتطهير اكثر من 9 أحياء دخل الارهاب اليها، معركة اذهلت الغرب وحملته على تحريك ورقة الاسلحة الكيماوية في وجه سورية. ما يطرح السؤال عن الاهداف التي ترمي اليها اميركا من هذا التحريك.

ج. لقد ساقت اميركا ومعها «اسرائيل» في معرض الحديث عن الاسلحة الكيماوية في سورية عدة مخاوف، تمكنها – وفقاً لتصورها – او تجيز لها ان تبادر إلى المعالجة بطريقة تتخطى العقبات التي تشكلت وواجهت التحرك الاميركي في مجلس الامن ومن هذه المخاوف:

1) الادعاء بان سورية سلمت او هي بصدد نقل جزء من مخزون الاسلحة الكيماوية الى حزب الله، ما يعني تغييراً في واقع الصراع بين «اسرائيل» والمقاومة الاسلامية، يجيز لـ»اسرائيل» ان تتحرك لمنع اختلال التوزان الردعي. وهنا لا بد من الاشارة الى سخافة هذا الادعاء ووهنه، لان «اسرائيل» هي المالكة لاكبر مخزون في الشرق الاوسط من سلاح الدمار الشامل بأنواعه الثلاثة، وهي التي استعملت هذا السلاح سابقا ضد لبنان، وفي المنطق، لا نجد ان لحزب الله مصلحة او فائدة من المبادرة الى استعمال هذا السلاح ضد من يملك قدرات فائقة في مجاله، كما ان الظروف الموضوعية، فضلا عن العملانية والتجهيزية والواقع والانتشار الديمغرافي في لبنان كلها تقود الى اسقاط هذا الادعاء بدون مناقشة كبيرة.

2) الادعاء بان سورية ستلجأ الى استعمال الاسلحة الكيماوية في حربها الدفاعية التي تخوضها، وهنا، وبالاضافة الى ما ذكرناه عن واقع الامتناع التلقائي لسورية عن القيام بذلك، وعن عدم الحاجة اليه اصلاً، فاننا نشير الى مسألة اخرى قد تكون حاسمة عند العقلاء، وهي ان الشعب السوري لم ينتفض او يتمرد ضد حكومته، بل ان هذا الشعب يعاقب الآن من قبل الارهاب الاميركي وبالسلاح «الاسرائيلي» والاطلسي وباموال النفط العربي، يعاقب لانه ما زال متمسكاً بنظام مقاوم حضن ويحضن المقاومة، وان استمرار النظام السوري ومناعته عائدان بشكل اساسي الى الدعم الشعبي وهو يحظى باكثرية عالية من تأييد الشعب، ولا توجد منطقة في سورية انتفضت او تحركت غالبيتها ضد الحكومة، فكيف يعاقبها النظام، او يلجأ الى الإضرار بمن والاه ومن يستمر في دعمه.

د. تأسيسا على ما تقدم نرى بان اميركا حركت ملف الاسلحة الكيماوية في سورية لتحقيق واحد او اكثر مما يلي من اهداف:

1) تحضير البيئة الدولية لتقبَّل فكرة استعمال الاسلحة الكيماوية واستعداد النظام لهذا الامر، ثم تزويد الارهابيين ببعض من هذه المواد لاستعمالها في منطقة او اكثر في سورية، ثم اتهام النظام بذلك، في سلوك يشبه ذلك الذي سابقاً في مجال المجازر التي كانت تنفذها المجموعات الارهابية ثم تلصقها اميركا بالحكومة السورية، لتتخذ ـ أميركا ـ الامر اداة ضغط على مجلس الامن لاصدار قرار يخدم المصلحة الاميركية في العدوان.

2) تحضير البيئة الدولية امام عمل عسكري خاطف تقوم به «اسرائيل» او غيرها من دول الاقليم لتدمير مخازن الاسلحلة الكيماوية – ان وجدت – في سورية ثم تبرير العدوان على اساس انه عمل استباقي في معرض الدفاع عن المنطقة وتخليصها من خطر هذا السلاح. ولذلك نشهد الآن المواقف في كل من الاردن وتركيا و«اسرائيل» التي تتحدث عن الاستعدادات لمواجهة الخطر المزعوم باستعمال سورية للاسلحة الكيماوية.

3) الضغط على الامم المتحدة (مجلس الامن، او على الجمعية العامة حيث لا فيتو يعرقل قرارا او توصية) من اجل تصعيد اللهجة ضد الحكومة السورية، وصولاً اذا امكن الى إدراج الملف السوري تحت الفصل السابع، وهو الهدف الذي تسعى اليه اميركا منذ بدء العدوان، لان الفصل السابع هو الاداة الاميركية ضد اي دولة لا تنصاع لارادتها. ولاجل ذلك تتحرك السعودية اليوم وبتوجيه اميركي لإعداد مشروع قرار – توصية تصدر من الجمعية العمومية للامم المتحدة ضد سورية قد يستند اليها للتوجه الى مجلس الامن او للقيام بعمل ما من غير قرار من المجلس.

ان اميركا التي عجزت حتى الآن في كل حلقات عدوانها الارهابي على سورية، العدوان الذي لم يوفر وسيلة مهما كانت لا اخلاقية وكاذبة الا واستعملتها، ستستمر في عملها الكيدي لانها لم تيأس، كما انها لا تتقبل حتى الآن فكرة الاخفاق او الهزيمة المدوية في سورية. وفي المقابل نجد ان الصلابة والوعي في جبهة الدفاع عن سورية في داخلها واقليميا ودولياً تملك من القدرات ما يعطل هذه الورقة ايضاً كما عطلت مكائد سابقة، وسدت الطرق والمسالك العدوانية الاميركية الاخرى.

أمين حطيط

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها) 

Exit mobile version