تميزت “الثورات” التي ضربت العالم العربي منذ حوالي 20 شهراً بتغطية إعلامية غير مسبوقة، بإستثناء الحراك الشعبي الذي تشهده المملكة البحرينية، النقل المباشر للأحداث سرّع في هروب الرئيس التونسي زيم العابدين بن علي، وتنحي نظيره المصري حسني مبارك ثم إعتقاله بعد تصوير الجزيرة على أن ما يحدث في ميدان التحرير بالقاهرة من تظاهرات تطالب بإسقاط النظام المصري يحصل في أغلب المدن المصرية، ولعب الإعلام خاصة المرئي منه دوراً كبيرا في حرب الناتو على ليبيا، وسقوط عاصمتها طرابلس فيما عرف وقتها بعملية فجر عروس البحر.
وصل الدور إلى سورية، حيث نشأت علاقة وثيقة بين القنوات التلفزيونية الخليجية (القطرية، والعربية، وغيرها الكثير) والمعارضة السورية، أعطت الأخيرة حقوق بث ثورتها للقنوات المذكورة التي قامت ببذل جهد جبار من أجل إنجاح المعارض، علّ النظام السوري يسقط بسرعة كما حدث في مصر، وتونس.
لم تخيب القنوات الخليجية ظن المعارضين السوريين، بل أدهشتهم في كيفية تغطية أخبار ما يجري في بلادهم، وتدريب مراسليها على اساليب الحرب الإعلامية التي تساهم في كسب الرأي العام العالمي، وتشويه صورة السلطات السورية في آن تزامنا مع التأثير على معنويات الموالين للنظام السوري، أحرقت زينب الحصني، وظهرت بعد ذلك فجأة على التلفزيون الرسمي السوري، حملت الجزيرة الجيش العربي السوري مسؤولية مقتل الطفل ساري سواعد، لتخرج والدته بعد يوم واحد من مقتله، وتؤكد أن مجموعات مسلحة أقدمت على قتل نجلها.
أشهر مضت دارت معها حرب الكر والفر بين القنوات الداعمة للمعارضة السورية، والتلفزيونات الموالية للنظام في سورية، تخرج الجزيرة والعربية بفيديوات تظهر ما يحدث في ارض الشام بحسب قوله، لتخرج آلة الحرب الإعلامية النظامية لتكذيب ما ورد في القنوات الخليجية عبر فقرة التضليل الإعلامي، برز خالد أبو صلاح (فلسطيني) كثائر حمصي ينشط في الأحياء التي تشهد معارك بين المسلحين والجيش العربي السوري حسب ما تقدمه الجزيرة، وكمضلل للأحداث حسب تصنيف القنوات الموالية.
ولأن لكل بداية نهاية، فإن علاقة العشق التي جمعت “الثورة السورية” بالقنوات التلفزيونية الخليجية قد أوشكت على وضع نهاية دراماتيكية لها بعد تضارب الأخبار بين القنوات المتابعة لما يجري في سورية بشكل حثيث، وبين الناشطين السوريين الذين إنصرفوا في الفترة الأخيرة عن تغطية ما يحدث في بلادهم، لتكذيب الأخبار الصادرة عن الجزيرة، والعربية، والتي تنسب في أغلب الأحيان إلى ناشطين مجهولين.
أبو محمد أحد العاملين فيما يسمى بالمكتب الإعلامي لمجلس قيادة الثورة في دمشق يعبر عن غضبه “من طريقة تعاطي الجزيرة، والعربية للأحداث التي تشهدها سورية مؤخرا، والتي يطلق عليها مرحلة الحسم، أبو محمد يعتبر أن القناتين المذكورتين عملت على أذية الثوار في دمشق، بقدر الأضرار التي سببها لهم الجيش السوري” حسب رواية أبو محمد طبعا .
الثائر الدمشقي يعتبر أن للجزيرة، والعربية فضل كبير على الثورة السورية، من خلال التغطية الدائمة للتظاهرات، وعليات الجيش السوري الحر، لكن ما حدث في الأيام الأخيرة مع إنتقال المعارك إلى دمشق، جعلنا نتوقف مليا عند الأحداث، ما يسمونه بالبروباغندا الإعلامية ساهمت في النيل من عزيمتنا، ولم تصيب النظام بأي أذى يذكر”، مضيفاً” ما حدث ويحدث في دمشق تتحمل مسؤوليته القنوات الداعمة لنا، وبكل صراحة نقول، إما من يعمل على نشر الأخبار في الجزيرة، والعربية مراهقون لا يعلمون تركيبة الشعب السوري، وإما هناك قطبة مخفية في موضوع ما حدث، ولا نستبعد في هذه الحالة أن يكون بعض المشرفين على الأخبار في القنوات المذكورة عملاء سريين للنظام السوري” على حد قوله طبعا .
أبو محمد “يعدد ما أسماه أخطاء القناتين الإعلاميتين بحق الجيش السوري الحر في دمشق لدرجة جعلوا المقاتلين يشعرون أن النظام سيسقط دون قتال، في اليوم الأول، ذكرت الوسائل الإعلامية (العربية، والجزيرة، أن الجيش الحر سيطر على الميدان، وهو بصدد التمدد إلى الأحياء الأخرى، ثم أوردت خبرا مفاده أن الجيش الحر اسقط مروحية نظامية نقلا عن ناشطين، وفي القوت الذي كانت الجزيرة والعربية تنسب أخبارها إلى الناشطين، كان هؤلاء، وأنا منهم نتحسس رؤوسنا نتيجة حماوة المعركة، وإستشراس آلة الجيش السوري العسكرية”.
يتابع عضو المكتب الإعلامي في مجلس قيادة الثورة بدمشق قائلاً “بدلا من أن نعمل على الإستفادة من عملية إستهداف خلية الأزمة، إنقلب السحر على الساحر، وإستفاد النظام من الحادثة، والفضل يعود إلى الجزيرة، والعربية، بعد نقلهما خبرا مفاده الجيش السوري يترك دباباته في الميدان ويهرب، فكانت النتيجة أن شمر التلفزيون الرسمي السوري عن ساعديه، وقان بتغطية الإشتباكات بشكل مباشر، وأخذ تصريحات للجنود مما ساهم في رفع معنوياتهم، ودفعهم أكثر بإتجاه الحسم في الحياء الثائرة، ولم تنفع بعدها محاولة العربية، نقل المعارك إلى محيط القصر الجمهوري”، مضيفاً” الخطأ الكارثي لعرابي الثورة الإعلاميين ساهم في تقهقرنا عن معظم أحياء العاصمة، بعدما كنا على وشك تحريرها”.
سيريان تلغراف