تهديدات إسرائيل للبنان زادت كثيراً في الفترة الأخيرة، مع ذلك مرّت كأنها لم تكن. قد يعود السبب الى رتابة التهديد، وتكرار المكرر، منذ سنوات. رغم أن للتهديدات الأخيرة معنى دالاً على خشية إسرائيلية، أكثر من كونه دالاً على موقع القوة والقدرة في المعادلة القائمة بين الجانبين.
في سياقات التهديد الإسرائيلي، الأخير، وردت تحذيرات على لسان مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى، عن «إمكانات المقاومة في فرض حصار بحري على إسرائيل» في أي مواجهة مقبلة.
إلا أن الواقع يشير الى أكثر من ذلك، إذ إن إمكانات المقاومة في فرض حصار بحري، وجوي أيضاً، هو حقيقة قائمة ونتيجة طبيعية لنوعية الوسائل القتالية التي باتت في حوزتها، وقد لا تحتاج الى إقرار إسرائيلي به.
الحصار البحري تحديداً، الذي أقر به الإسرائيليون أخيراً، يدخل، كما غيره من العوامل الأخرى، في صلب المعادلة ويفرض نفسه مؤثراً وفاعلاً على القرار الإسرائيلي، باتجاه كبح تل أبيب عن تفعيل أي من خياراتها العدائية ضد لبنان.
في الوقت نفسه، فإن تهديد اسرائيل لحزب الله، وبرتابة مملة، بأنها سترد بشكل غير مسبوق ومدمر على أي عمل «عدائي» ضدها، دليل على شك إسرائيل، في أقل تقدير، بردعها لحزب الله، وإلا لما أقدمت على التهديد أساساً.
في الذكرى السنوية الخامسة للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وتحديداً في 25 تموز 2011، حذر الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إسرائيل من مغبّة المساس بالثروة النفطية اللبنانية، مؤكداً أن من «يمكن أن يعتدي على المنشآت اللبنانية، لديه منشآت نفط وغاز، ومن يمس بالمنشآت المستقبلية للبنان، فإن منشآته ستمسّ».
في 9 تموز 2012، أي بعد ما يقرب من عام كامل، ردّت اسرائيل على التهديد، تحت عنوان «الرد على نصر الله: البحرية الإسرائيلية ستحمي المنشآت النفطية»!، وتحدث ضابط إسرائيلي رفيع المستوى عن ضرورة حماية مواقع التنقيب عن الغاز والنفط في عرض البحر، وتحديداً بعد التهديدات التي أطلقها نصر الله، لكنه، في الوقت نفسه، نعى الحماية الضرورية، من خلال تأكيده أن البحرية الإسرائيلية بحاجة إلى تحديث سفنها وزوارقها الحربية التي باتت قديمة، ومن ضمنها السفن الحربية من طراز ساعر (5) وهناك حدّ لما يمكنها ويمكن معداتها أن تتحمله.
قبل أسبوع، أكدت صحيفة «جيروزاليم بوست»، نقلاً عن مصادر عسكرية اسرائيلية، ان تقديرات سلاح البحر في اسرائيل، تشير الى ان حزب الله سيحاول مهاجمة سفن الشحن التجارية، ضمن محيط ثلاثين كيلومتراً من الساحل الاسرائيلي، وفرض حصار بحري على الموانئ، في أي حرب مقبلة، وبحسب ضابط اسرائيلي رفيع المستوى، فإن الحصار البحري يستتبع تداعيات سلبية اقتصادية استراتيجية هائلة على الدولة العبرية، وقال إن «الناس لا يستوعبون ماذا يعني أن 99 في المئة مما نستورده كبلد يأتي عن طريق البحر».
والواقع ان تل ابيب تبالغ قليلاً، فليس من الضروري ان يستهدف حزب الله سفناً تجارية تبحر الى الموانئ الاسرائيلية، كي يفرض حصاراً بحرياً على اسرائيل.
يكفي ان يعلن أنه سيستهدف الساحل الاسرائيلي وما عليه من موانئ، كي تمتنع أي سفينة تجارية عن التوجه الى الموانئ الاسرائيلية، ومن بينها ميناءا حيفا وأشدود، وهما الأكبر في الدولة العبرية.
وإمكانات فرض حزب الله للحصار البحري، بإقرار تل ابيب نفسها، ينسحب ايضاً على إمكاناته في فرض الحصار الجوي، وكلاهما في متناول ايدي المقاومين، اذ لا تختلف الإمكانية الأولى عن الثانية كثيراً، وخصوصاً أن لدى المقاومة قدرات صاروخية دقيقة ومدمرة، تدرك إسرائيل فاعليتها جيداً، ويمكنها الوصول الى أي نقطة في اسرائيل.
مع ذلك، إمكانات الحصارين، البحري والجوي، تفصيل من جملة تفاصيل أخرى، لم تتكشف بعد، وتنتظر الحرب كي تظهر نفسها، وهي التي تسمى في أدبيات المقاومين «مفاجآت الحرب المقبلة»، التي يكبحون أنفسهم عن الحديث عنها، كي لا يحرموا الإسرائيليين من مفاجأتها، في حرب يؤكدون أنها ستكون مغايرة جداً للحرب الماضية عام 2006.
في الذكرى السادسة لحرب عام 2006، ليتذكر الجميع أهدافها من ناحية إسرائيل، والتي أطلقها رئيس حكومة العدو ايهود اولمرت من على منبر الكنيست، ومن بينها: نزع سلاح حزب الله.
النتيجة، كما هو معلوم، وبحسب توصيف نائب رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، الجنرال يائير نافيه (هآرتس 22/05/2012): «تعاظمت قدرات حزب الله، الآن، عشرة اضعاف عما كانت عليه عشية حرب لبنان الثانية».
ما الذي يعنيه ذلك؟ هو سؤال يستحوذ على اكثر من اجابة، ويطول جداً الكلام حوله.
يحيى دبوق – صحيفة الاخبار