هذه دراسة هامة وخطيرة عن قضية غاز شرق المتوسط وأبعادها الاقتصادية التي بدأت في رسم خريطة جديدة لشرق المتوسط، ستكتمل في أقل من خمس سنوات، ويتحدد بموجبها من السيد القوي ومن التابع المصدّر للعمالة.
هذه المقال لم تستطع صحف مصر نشره رغم موافقة رؤساء تحرير “المصري اليوم” و”الشروق” وغيرهم. ففيه شبهة قوية للانتقاص من سيادة وحقوق ودخل مصر. وعلى مدى أربعة شهور من المماطلات تواصل القضية تفاقمها، وحقوق مصر ولبنان في التآكل. وتتصدر هذه القضية نقاشات الإعلام القبرصي والإسرائيلي واليوناني والتركي.
وافقت جريدة الحياة اللبنانية، مشكورة، على نشر المقال، في قسم التكنولوجيا، مقسماً إلى خمس مقالات جزئية متكاملة في صفحة كاملة، بدلاً من الترتيب الزمني.
الجزء الأول: الثابت والمتحوّل في شرق المتوسط
التعريف بقضية غاز شرق المتوسط وأبعادها الاقتصادية. أتاحت التكنولوجيا الحديثة اكتشاف حقول غاز هائلة على أعماق سحيقة بشرق المتوسط. في عامي 2010-2011 تخلت مصر عن حقلي غاز لإسرائيل وقبرص بإجمالي دخل سنوي يفوق 20 مليار دولار. وفي فبراير 2012 بدأت اسرائيل تطوير حقل على بعد 110 كم من دمياط. رئيس قبرص يعد شعبه بأنهم سيكونوا أكثر ثراء من دبي في خمسة أعوام.
(4)
الثابت والمتحوّل في شرق المتوسط
الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢
يشهد شرق البحر المتوسط، فترة تحوّل تاريخية وتنقلب فيه موازين القوى، بطريقة تشبه ما حدث في الخليج العربي في القرن العشرين خلال الانتقال إلى حقبة النفط. بدأت هذه التغيّرات تتسارع مع ظهور تقنيات تنقيب وحفر بحري حديثة في مطلع القرن الحادي والعشرين. وبات ممكناً الحفر تحت مياه عمقها يفوق ألفي متر. وللسبب ذاته تشهد البرازيل طفرة اقتصادية مماثلة.
في هذا الصدد، أعلنت إسرائيل أخيراً أن حقلي الغاز المتلاصقين، لفياثان (الذي اكتشفته إسرائيل في 2010) وأفروديت (الذي اكتشفته قبرص في 2011)، يزخران باحتياطيات قيمتها قرابة 200 بليون دولار. ويمتدان إلى المياه الإقليمية المصرية، على بعد 190 كيلومتراً شمال دمياط، بينما يبعدان 235 كيلومتراً من حيفا و180 كيلومتراً من ميناء ليماسول القبرصي.
ويقع البئران في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس المختفي تحت البحر، لكن هويته المصرية مثبتة من 200 قبل الميلاد. وبدأت إسرائيل في مسلسل إعلان استخراج الغاز من أراض عربية في 2009، حين أعلنت عن اكتشاف حقل «تمار» المقابل لمدينة صور اللبنانية. وفي 2003، رسمت مصر حدودها البحرية مع قبرص من دون تحديد نقطة البداية من الشرق مع إسرائيل التي حفرت بئراً في تلك المنطقة في 2010، قبل أن ترسم حدودها بحرياً مع قبرص. وبقيت حدودها البحرية مع مصر غير معرّفة (وما زالت)، ما يفرض ضرورة رسم تلك الحدود.
مع توالي أنباء التنقيب عن الغاز واكتشافاته في المنطقة، ازداد الاهتمام بقعر شرق المتوسط، ونشطت المناورات البحرية والدوريات المتعددة الجنسيات، تارة لمكافحة الإرهاب وتارة لمنع انتشار تكنولوجيا الصواريخ الموجهة.
ثم ظهرت البعثات العلمية لمسح قاع البحر، وتلتها منصات الحفر البحري للتنقيب. دخلت شركات جديدة على الخط، مقابل انسحاب شركات عريقة منه، على رغم امتلاكها امتيازات في التنقيب، الأمر الذي
الثلاث الأخيرة، ارتسمت ملامح ثروة هائلة من احتياطيات الغاز الطبيعي، إذ أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشاف غاز طبيعي تعدت قيمته حتى الآن 240 مليار دولار. لكنها مجرد نقطة في هذه المنطقة البكر التي يرى البعض أنها تحوي أحد أكبر احتياطات الغاز عالمياً.
واللافت أن موقع «غوغل إيرث» لا يحتوي صوراً للقعر البحري في هذه المنطقة، على رغم توافر صور مُشابهة للبحار كافة!
الجزء الثاني: «إراتوستينس»: جبل اسكندري غارق يربط آبار الغاز في لبنان ومصر وإسرائيل وقبرص وتركيا واليونان
عرض سريع لتطور قضية غاز شرق المتوسط.
(5)
حقل «شمشون» في الخريطة الوحيدة التي نشرتها إسرائيل عنه، وتظهر حدودها مع لبنان ومصر على رغم عدم موافقة البلدين!
«إراتوستينس»: جبل اسكندري غارق يربط آبار الغاز في لبنان ومصر وإسرائيل وقبرص وتركيا واليونان
الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢
عند التبدّل في مصادر الطاقة، تحدث أمور كثيرة، أشد عمقاً وغوراً مما تراه الأعين، بل أحياناً مما تذهب إليه الأذهان والمخيلات. الدروس كثيرة. ما الذي حدث عندما كفّ الإنسان عن استخدام القوة البيولوجية والطبيعية، وانتقل إلى عصر الصناعة التي تأسست على الفحم الحجري؟ كيف تبدّلت خريطة العالم، حين حدث الانتقال الى عصر النفط والبترول، كبديل لطاقة الفحم الحجري؟ ربما يلزم تفكير على هذا المستوى عند التصدي للحظة الراهنة في الطاقة. هناك ميل لتبني مصادر الطاقة البديلة للبترول، والاعتماد على مصادر اخرى مثل الطاقة المتجددة للشمس والرياح وغيرها. تُطلّ الذرّة برأسها المُرعب في هذه الصورة الفوّارة. لكن، ربما لا يلتفت كثيرون إلى شيء أكثر بداهة، وتالياً أشد عُمقاً: البديل المباشر للنفط يأتي من… الغاز الطبيعي.
يشبه الأمر صراع إخوة، لأن النفط والغاز متــلازمان أســـاساً، لكن الأمور الأكثر عملانية ولوجيستية، مثل مواقع صدوع قـــشرة الأرض وصــفائحها التكتونية العميقة، تؤدي دوراً عميقاً في فكّ أواصــر التلازم بيــن النفــــط والغاز، وترسم خطاً طويلاً وضخماً في تحديد الخريطة التي تستند إلى حلول الغاز تدريجاً بديلاً من البترول. ولربما شكّل لبنان وآبار غازه بحرياً، نموذجاً عن هذا التحوّل العميق.
وصف العالم السكندري إراتوستينس (276- 194 ق م)، الذي كان ثالث أمناء «مكتبة الإسكندرية» في عصرها الذهبي، منطقة من البحر المتوسط تقع على بعد 190 كلم شمال دمياط، تعيش فيها أسماك وقشريات مختلفة عن باقي البحر. وفي العصر الحديث، جرى تفسير ذلك بوجود جبل غاطس ضخم في تلك المنطقة، إذ يرتفع ألفي متر فوق قاع البحر. وقد أطلق على الجبل اسم إراتوستينس.
وجيولوجياً، يقع شرق المتوسط في منطقة ارتطام الصفيحة التكتونية التي تحمل إفريقيا، بالصفيحة الأناضولية، محتوياً منطقتي «الحوض المشرقي» و«قوس قبرص». وتتحرك الصفيحة الأفريقية في اتجاه الشمال الشرقي بسرعة 2.15 سنيمتر في السنة منذ 100 مليون سنة، ما دفع بجبل إراتوستينس إلى أعماق سحيقة تحت صفيحة قبرص. وتلى ذلك تشكل نهر النيل، وترسيب طميه في ساحل مصر، فتشكّلت «دلتا النيل».
استُهلّت المسوحات الحديثة لجبل إراتوستينس في 1966 من بريطانيا، وتلتها أميركا (1977-2003) وروسيا (1994) وبلغاريا (2003). ووضعت إسرائيل ما يزيد على 20 ورقة بحثية عن جيولوجيا هذه المنطقة نشرت بين عامي 1980 و1997.
وفي عام 1997، جرى تطوير منصات حفر شبه غاطسة قادرة على العمل على أعماق تصل إلى ألف متر، بفضل شركتي «شل» و «بريتش بتروليوم». وعملت المنصّات قبالة سواحل البرازيل وفي خليج المكسيك الأميركي.
وتشكّل فريق مشترك (من جامعتي حيفا الإسرائيلية وكولومبيا في نيويورك) لإجراء مسح منهجي أول من نوعه في قعر جبل اراتوستينس. وأجرى الفريق مسحاً مماثلاً لمنطقة شمال البحر الأحمر، حيث عثر على أشياء تقتضي مقالات منفصلة!
الدلتا بكاميرا إسرائيل
بين عامي 1997 و1998، أجرى هذا الفريق البحثي المشترك ثلاث عمليات حفر أولي على عمق 800 متر تحت قاع البحر في السفح الشمالي لجبل إراتوستينس. ونُشِرت نتائج هذه العمليات في دوريات الجيولوجيا والأحياء البحرية.
في عام 1999 أعطت «الهيئة العامة للبترول» المصرية امتياز تنقيب بحري ضخم شمل مساحة 41.5 ألف كيلومتر مربع، لتحالف مُكوّن بصورة رئيسة من شركة «رويال داتش – شل في شمال شرقي البحر المتوسط» (إسمها المختصر «نيميد» NEMED)، بمشاركة شركات «بتروناس كاريغالي» (ماليزيا) و«الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي». ويمتد الامتياز شمال الدلتا حتى السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس.
وفي 2003، قامت سفينة «نوتيليس» الأميركية المزوّدة بـ3 غواصات روبوتية، مصحوبة بسفينتي أبحاث بلغاريتين، بمسح الجوانب الشمالية والشرقية والغربية من الجبل.
ونشرت خريطة دقيقة له. وفي السنة عينها، وقّعــت مصر اتفاقية «مبهمة» لترسيم الحدود مع قبرص (أنظر في الصفحة «تخبّط مصري وإسرائيل «تخترق» الدلتا).
وفي 2004، أعلنت شركة «شل- مصر» اكتشاف احتياط للغاز الطبيعي في بئرين على عمق كبير في شمال شرقي البحر الأبيض المتوسط. وأوضحت الشركة أنها في صدد مواصلة عملها لمدة 4 سنوات، بهدف تحويل المشاريع المكتشفة إلى حقول منتجة. وأشارت الشركة إلى الحفار العملاق «ستِنا تاي»، الذي اُعدّ للعمل خمس سنوات في المياه العميقة. يشار إلى أن عمل «ستِنا تاي» في البرازيل أدى الى اكتشاف حوضي «سانتوس» و«كامبوس» على عمق ألفي متر، اللذين يدرّان للبرازيل قرابة 50 مليار دولار سنوياً. وفي مطلع 2004، حفر «ستِنا تاي» ثلاثة آبار في مصر بعمق 2448 متراً. وفجأة، انقطعت أخبار حفريات الغاز في شمال شرقي البحر المتوسط. هل يقدم البرلمان المصري على طلب كشف المعلومات عن الحفريات وأسباب توقّفها بطريقة غير مفهومة؟
«إستراتيجية البوارج»
في 2008، أعلنت إسرائيل عن بدء نشرها مجسات متنوّعة في قاع البحر المتوسط، بدعوى كشف أعمال تخريبية أو هجوم قادم من إيران.
في 2009 أعلنت إسرائيل وشركة «نوبل إنرجي» عن اكتشاف حقل «تمار» للغاز في الحوض المشرقي «المتداخل» مع الحدود البحرية الاقتصادية للبنان، قبالة مدينة صور. ويعود الخلاف بين الدولتين الى أن إسرائيل تزعم أن الحدود البحرية يجب أن تكون عمودية على الميل العام للخط الساحلي اللبناني (وهي النقطة 1 في ترسيم الحدود اللبنانية القبرصية). في المقابل، يوجد في لبنان رأيان: الأول هو أن الحدود البحرية ترسم خطاً متعامداً على الخط الساحلي عند رأس الناقورة (النقطة 23 في ترسيم الحدود اللبنانية- القبرصية)، والرأي الثاني هو أن الحدود البحرية تكون امتداداً للحدود البرية، ما يضاعف مساحة النزاع.
وفي 2010، أعلنت شركات «أفنير» و«دلك» (إسرائيليتان) و«نوبل إنرجي»، عن اكتشاف حقل «لفياثان» العملاق للغاز، في جبل إراتوستينس، باحتياطي 16 تريليون قدم مكعبة. وتعترف إسرائيل بأن الحقلين موجودان في مناطق بحرية متنازع عليها، على خلاف الوضع مع حقلي «سارة» و «ميرا». وفي حال استغلال الحقلين الجديدين، تستغني إسرائيل عن الغاز الطبيعي المصري الذي يشكل حاضراً 43 في المئة من الاستهلاك الداخلي في اسرائيل.
وفي 2010، استعارت إسرائيل سفينة الاستكشاف الأميركية «نوتيلس»، لأخذ عينات من إراتوستينس، بغرض استخدام سونار (أداة لكشف الأعماق تعمل بالموجات الصوتية) كبير لمسح أعماق في إسرائيل، وضمنها البحث عن الغاز والنفط. واستكملت «نوتيلس» مسح السفح الجنوبي من إراتوستينس. ثم مسحت المنطقة الممتدة جنوباً حتى سواحل مصر، بل دخلت دلتا النيل، وصورت مياهه وحقوله أيضاً (أنظر «تخبّط مصر في الغاز»).
وفي كانون الثاني (يناير) 2011، خرج الرئيس القبرصي على شعبه مبشّراً بأن بلادهم اكتشفت أحد أكبر احتياطيات الغاز عالمياً، إذ تقدر مبدئياً بقرابة 27 تريليون قدم مكعبة، بقيمة 120 مليار دولار في ما يسمى «بلوك-12» من امتيازات التنقيب القبرصية، والمعطاة لشركة نوبل إنرجي. وقرر الرئيس تسميته حقل «أفروديت». ويقع «بلوك-12» في السفح الجنوبي لإراتوستينس».
وفي 2011، بدأت شركة «نوبل إنرجي الحفر»، لحساب الحكومة القبرصية، في المنطقة نفسها تقريباً، التي تسميها قبرص «بلوك – 12». في 2011، وصل إلى القاهرة وزير الخارجية اليوناني، للاطمئنان الى التزام مصر باتفاقية ترسيم المنطقة الاقتصادية البحرية مع قبرص. وتردد أنه تلقى تطمينات كافية. لــكن بـــعض الصحف اليونانية أبدت تشكيكها في بقاء اتفاقية ترسيم الحدود القبرصية- المصرية الموقعة في 2003، في ضوء الترسيم اللاحق لحدود إسرائيل مع قبرص في 2010، الذي يجعل المياه الإسرائيلية حاجزاً بين مصر وقبرص في المنطقة شمال دمياط.
في 2011، قامت البوارج التركية بقصف الشريط الضيق (كيلومتران) بين حقلي «أفروديت» القبرصي و«لفياثان» الإسرائيلي، على بعد 190 كيلومتراً شمال دمياط. وتقدّمت قبرص بشكوى للأمم المتحدة عما وصفته بـ «ديبلوماسية البوارج». وفي أواخر العام نفسه، ألغت إسرائيل صفقة قيمتها 90 مليون دولار لتزويد سلاح الجو التركي بنظام استطلاع ورؤية متقدمين.
الجزء الثالث: «اختراق»… الدلتا
غواصة لإسرائيل تمسح قاع المياه الإقليمية والاقتصادية المصرية، بل وتتوغل داخل فرعي النيل وتأخذ صور وتضعها مختومة بالوقت على موقع تابع لمصلحة المساحة الجيولوجية الإسرائيلية.
«اختراق»… الدلتا
الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢
في 2003، وقّعت قبرص ومصر اتفاقية ترسيم المنطقة الاقتصادية بينهما، ارتكازاً على حساب يسمى «حدّ المنتـــصف». وتضمّنَت 8 نقاط إحداثية. لكن، كيف جرى التوصل لهذا الترسيم فيما الدولتان لم تكونا قد رسمـــتا حدودهما مع إسرائيل آنئذ؟ أين بدأ الترسيم في الشرق؟ وما يرفع حدّة الســـؤال، أن إسرائيل بدأت في حفر حقل «لفياثان» في منطقة إراتوستــــينس، شمال دمياط! بقول آخر، لم تعد مصر تجاور قبرص، بل تفصلهما مياه إسرائيلية هي جبل إراتوستينس البحري الذي كان مصرياً! بقول آخر، جابت «نوتيليس» المياه الإقليمية المصرية لمدة أسبوعين، بل تفاخرت البعثة بأن غواصاتها الروبـــوتية دخلت النيل، وصوّرت ضفافه من تحت الماء! وفي 2010، نشر موقع إسرائيلي مختص بالأحياء المائية صور هذه المهمة. وشكرت مصلحة المسح الجيولوجي الإسرائيلية جهات عدة، إلا أنها لم تشكر أي جهة مصرية.
وفي 2011 قررت «رويال دتش شل» الانسحاب من امتياز التنقيب المصري في منطقة شمال شرقي البحر المتوسط، التي تتضمن جنوب إراتوستينس، متذرّعة بارتفاع تكاليف العمل في أعماق المياه. يبدو هذا المبرّر مثيراً للاستغراب لأن الشركة عينها أعلنت اكتشاف بئرين على عمق ألفي متر في 2004! وكذلك تحتفظ الشركة عينها بالرقم القياسي في حفر أعمق حقل نفط عالمياً، هو «برديدو» الأميركي في خليج المكسيك، في مياه عمقها 2400 متر، وبدأ تشغيله في 2007. وكان غريباً أيضاً حرص وزارة البترول المصرية على شكر «شل»، كما لو أنها لم تكن مخلة بشروط العقد، أو كما لو كانت تقوم بالتنقيب من باب الصدقة على الشعب المصري!
في 2011، زار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان القاهرة. وتردد أنه حاول دفع مصر (ولبنان) إلى إلغاء ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية البحرية مع قبرص.
وإثر إعلان قبرص اكتشاف الغاز في حقل «أفروديت» (عام 2011، وتحت تسمية «بلوك – 12»)، خرج عبدالله غراب، وزير البترول المصري، طوعاً عن اختصاصه، معلناً أن «الاكتشافات القبرصية الغاز (حقل «أفروديت» في «إراتوستينس») لا تقع ضمن الحدود البحرية المشتركة.
وقال وزير البترول إن المناطق التي تم اكتشاف الغاز فيها في قبرص، قريبة جداً من المنطقة التى كانت تعمل فيها شركة «شل» العالميـــة في المياه العميقة في البحر المتوسط، والمعروفة باسم حقل «نيميد»، بينما الخريطة القبرصية تكذّب الوزير غراب وتعترف بأن «أفروديــت» يقع داخل امتياز «نيميد».
الجزء الرابع: انخراط في الطاقة البديلة – عنوان غير معبر
أما وقد تم الاستيلاء على حقول الغاز المصرية واللبنانية، تسعى إسرائيل الآن لتأمين الحقول ولتصدير الغاز ولإيجاد مسار آمن لخط أنابيب يصدر هذا الغاز إلى اوروبا. ولاقتضام المزيد من غاز مصر ولبنان، والتوغل باتجاه سواحلهما.
(0)
انخراط في الطاقة البديلة
الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢
يبدو أن هناك حال اطمئنان في إسرائيل لجهة السيطرة على حقول غاز في المتوسط، لأنها منخرطة فعلياً في عمليات بيعه وتصديره. وهي استهلت جهودها عبر تطوير حقلين يتوغلان أكثر قرباً من سواحل لبنان ومصر.
وفي شباط (فبراير) 2012، بدأت شركة «نوبل إنرجي» للطاقة تطوير حقل «تنـــين» للــــغاز ويقع بين حقلي «لڤياثان» و«تمار»، في منطقة يطالب بها لبنان.
أواخر نيسان (إبريل) 2012، بدأت شركة «إيه تي پي» الأميركية للنفط والغاز تطوير حقل «شمشون» البحري، الذي تُقدّر احتياطاته بقرابة 3.5 تريليون قدم مكعب. ويقع على عمق ألف متر تحت سطح البحر، جنوب لفياثان، ما يجعله على بُعد 114 كيلومتراً شمال دمياط و237 كيلومتراً غرب حيفا.
في مطلع 2012، وقعت «نوبل إنرجي» صفقة أولى لبيع غاز حقل «تمار» بكمية 330 مليون متر مكعب سنوياً لمدة 16 سنة (قيمتها 1.2 مليار دولار) مع شركة «زورلو إنرجي» التركية التي تشغل محطتي توليد كهرباء في إسرائيل.
وفي ربيع 2012، كشفت إسرائيل نيتها نشر الصاروخ «مقلاع داود» على منصات انتاج الغاز في حقلي «لڤياثان» و «تمار». إلا أن إسرائيل أرادات أن تضمن وسيلة ثابتة لتصدير هذا الغاز عبر خط أنابيب لا تتنازعه دول أجنبية، ما يفسّر اهتمامها بترسيم الحدود البحرية اقتصادياً، خصوصاً أنها تنوي بيع الغاز لأوروبا، عبر قبرص واليونان، وهما غير متواصلتين في الحدود الاقتصادية البحرية.
وفي 2012، شنّ الكاتب دانيال بايبس (من صقور المحافظين الجددّ الذين هيمنوا على ولايتي جورج دبليو بوش) هجوماً على تركيا، بخصوص جزيرة «كاستلوريزو» اليونانية التي تبلغ مساحتها 11 كيلومتراً مربعا، وتبعد 1500 متر عن ساحل مدينة أنطاليا التركية.
وأشار إلى أن تركيا وافقت على أن تكون للجزيرة مياه إقليمية بعمق 10 كيلومترات. لكن بايبس أنذر بانفجار منطقة شرق المتوسط ما لم توافق تركيا على منطقة اقتصادية خالصة للجزيرة الضئيلة بعمق 200 ميل بحري، بمعنى خلق تواصل مع المياه الإقليمية لليونان وقبرص معاً، ما يجعلها نقطة التماس الوحيدة بين اليونان وقبرص، التي بدورها متماسة مع إسرائيل. والهدف من ذلك إقامة خط أنابيب غاز لتصدير الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى اوروبا مباشرة.
ويبدو أن تركيا رفضت السماح بمرور خط أنابيب عبر «كوستلوريزو». وكان تشكّل فريق مشترك بين إسرائيل وقبرص واليونان لإنشاء خط أنابيب غاز من حقول شرق المتوسط إلى جزيرة كريت، الأمر الذي يجعله يمرّ في المنطقة البحرية الاقتصادية لمصر.
الجزء الخامس: نحو قاهرة أكثر يقظة
ترسيم حدود بحرية وهمي مع قبرص، ولا تعرف الدولتان من أين يبدآ من الشرق لعدم ترسيم حدود مصر مع إسرائيل!
نحو قاهرة أكثر يقظة
الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢
على مصر أن تعاود بأقصى سرعة ممكنة عمليات التنقيب والحفر في امتياز شمال شرقي البحر المتوسط «نيميد»، كما عرّفتها في الامتياز المعطى عام 1999. وإذا كانت هناك شركات ترفض التنقيب لأي سبب، فمن المؤكد أن هناك شركات أخرى تود التعاون، بسبب ضخامة المشاريع. ويفترض بديهياً أن تعاود مصر ترسيم حدودها بحرياً واقتصادياً مع قبرص وإسرائيل. وينطبق الوصف عينه على الحدود البحرية مع ليبيا والسودان والسعودية وتركيا واليونان، بل بريطانيا التي يجب ترسيم الحدود الاقتصادية معها في منطقتي «أكروتيري» و «ذكليا» الملاصقتين لمينائي ليماسول وفماغوستا القبرصييين.
وتبرهن هذه الوقائع مدى حاجة مصر لامــتلاك القدرة على تصوير أراضيها ومياهها من طريق قمر اصصناعي خاص بها. ولا تزيد تكلفة هذا المشروع على 100 ملـــيون دولار. وربما شكّل نواة لبناء وكالة فضاء مصرية، على غرار وكالة «ناسا». ولا يجب أن يغيب عن البال، ما يربط هذه الأشياء ومسألة خط الغاز مع إسرائيل وصفقاته التي ربما تظهر تفاصيلها في سياق محاكمات النظام السابق، خصوصاً الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه. ولننتظر. ولنر.
سيريان تلغراف