زامنت أحداث القطيف مع الكشف عن طلب تقدمت به الأميرة سارة بنت طلال بن عبد العزيز إلى الحكومة البريطانية لمنحها اللجوء السياسي بسبب شعورها بـ«الخوف على سلامتها الشخصية» إذا عادت إلى السعودية، ما أثار تساؤلات حول حجم الخلافات داخل الأسرة الحاكمة في المملكة.
ليست هذه المرّة الأولى التي يجري الحديث فيها عن الصراعات داخل عائلة آل سعود، كما أن تلك الصراعات ليست جديدة على الأسرة الحاكمة، إذ سبق أن تم خلع الملك سعود لصالح الملك فيصل في العام 1964، فيما قتل الأخير على يد الأمير فيصل بن مساعد في العام 1975.
وبالرغم من أن هذه الخلافات قد بدأت تطفو على السطح، إلا أن مصدراً سعودياً معارضاً يقول لصحيفة «السفير» إن الأسرة الحاكمة «ما زالت تملك القدرة على التكتم على الخريطة الداخلية لصراعاتها».
ويضيف المصدر السعودي إن «الأسرة ربما تمكنت من أظهار تماسكها بشكل محكم خلال المرحلة الماضية، ولكن هذا كان ممكناً حين كانت تتكون من بضع مئات، هم أبناء الملك عبد العزيز وأحفاده، أما اليوم فالحديث يدور عن جسم ضخم يضم آلاف الأمراء، ولكل منهم طموحاته الخاصة التي يعجز جهاز الحكم عن تلبيتها».
ويشير المصدر إلى أن هذه المطامح لا تقتصر على الجانب السياسي، إذ أن ثمة خلافات حادة حول تقاسم تركة الملك فهد، وربما يمتد ذلك إلى تركة الأميرين نايف وسلطان.
ويرى المصدر أن ثقل جسم العائلة الحاكمة، وترهله، يشكل العائق الأساسي أمام الإصلاح في المملكة، لدرجة أن الأسرة الحاكمة تبدو عاجزة عن القيام بإصلاحات حتى لو توافرت الإرادة لذلك.
ومع ذلك، فإن المصدر المعارض يشدد على أن الإصلاح السياسي يبقى الحل الوحيد أمام الأسرة الحاكمة لكي تحافظ على تماسكها، محذراً من أن انهيار الأسرة سيشكل كارثة حقيقية، إذ ينذر باحتمال الدخول في حرب أهلية، خاصة أن كل أمير قادر على حشد عدد كبير من المؤيدين، سواء في الشارع أو على مستوى أجهزة الدولة السياسية والأمنية والعسكرية.
إلى ذلك أشارت الصحيفة إلى أن أحداث الأسبوع الحالي في اعتقال الشيخ نمر النمر ومقتل 2 من المتظاهرين جددت مخاوف من احتمال أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، خصوصاً أن الحديث يدور عن أزمة حقيقية تبقى منذ عقود ناراً تحت رماد.
وتحدثت الصحيفة عن الأسباب المباشرة للأحداث الأخيرة التي تعود إلى يوم 16 حزيران الماضي، حين استقبل بعض شباب القطيف خبر وفاة ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز بتنظيم مسيرات احتفالية أطلقوا خلالها المفرقعات النارية، وأحرقوا صور ولي العهد الراحل، وهتفوا بسقوط آل سعود.
بعد ذلك بأيام، خرج الشيخ نمر ليدافع عن شباب القطيف قائلاً «كيف لا نفرح؟ الذي قتّل أولادنا ألا نفرح بموته؟ الذي سجّن أولادنا ألا نفرح بموته؟»، مضيفاً «هذه البلد يحكمها أبناء عبد العزيز إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذا تصريح نايف. فليحكمها من القبر»
لكن شقيق الشيخ النمر، المعارض السعودي محمد باقر النمر، يقول لصحيفة «السفير» إن الموضوع أبعد من مجرّد رد فعل فردي وسلوك من قبل بعض الأشخاص ممن احتفلوا بوفاة نايف. ويوضح «الإعلام التابع لوزارة الداخلية يتحدث عن حرق لصور الأمير نايف، ولعل ذلك حدث، لكن ثمة قضايا خطيرة يتم تجاهلها، ومن بينها ابتزاز رجال الأمن لشخصيات بارزة في القطيف عند مفارز التفتيش، واستفزاز وسائل الإعلام لمختلف شرائح المجتمع وخصوصاً الشيعة».
ويرى محمد باقر النمر أن ثمة جانبين للأحداث، الأول، هو أن «ثمة ضغوطاً مارستها فئات سلفية متشددة على وزارة الداخلية بعدما وجهت إليها اللوم بالتساهل مع المعتقلين الشيعة، علماً أن الحقيقة ليست كذلك». والثاني، هو «رسالة سياسية ربما أرادت السلطات أن تبعث بها إلينا»
ويشير النمر إلى أن «ما حدث شكّل مفاجأة لنا»، موضحاً أنه «بعد تعيين الأمير أحمد بن العزيز وزيراً للداخلية، تم إطلاق 5 أو 6 من معتقلي الرأي، وتوقعنا أن تستمر هذه الانفراجات، ولو بوتيرة بطيئة، لكي يبدأ الأمير أحمد عهداً جديداً، ولكننا فوجئنا بهذا السلوك الأمني الذي لم نشهده حتى مع الأمير نايف». ويضيف أن ما حدث كان «رسالة قاسية لأهالي القطيف والاحساء، فالأمير أحمد بدأ عهده بالدماء، وهي بداية غير موفقة»
أخيرا يرى كثرٌ على أن السعودية ليست بمنأى عن «الربيع العربي»، وإن كانوا يقرون بأن حجم تأثير الثورات العربية على المملكة يبدو ضعيفاً، وهو أمر فيه الكثير من الصواب، خصوصاً أن الحراك المجتمعي السعودي يكاد لا يتجاوز بديهيات الإصلاح السياسي، فيما السقف الأعلى للمطالب لا يتجاوز الدعوة إلى تحويل الحكم إلى ملكية دستورية… ومع ذلك فإن استحضار التجارب التاريخية، سواء في السعودية (سقوط الدولتين الأولى والثانية)، أو في مناطق أخرى في العالم يظهر أن لغماً سياسياً من مثل الحراك الشعبي في المنطقة الشرقية قد يتحول في لحظة ما إلى كرة ثلج تنذر بتحولات دراماتيكية قد تخرج عن السيطرة.
سيريان تلغراف