هل جاء دور الجيش المصري بعد تفكيك الجيش العراقي سابقاً، وما يتعرّض له الجيش السوري حاليّاً، ليتعرّض للإشغال والإنهاك تمهيداً لتفكيك بنيته وقدراته المعنوية والقتالية التي يُحسب لها حساب كبير في إطار النزاع العربي ـ الإسرائيلي؟
السياسيين المتابعين للأحداث الجارية في مصر والعالم العربي، وذلك في ضوء قرار الرئيس المصري محمد مرسي إلغاء قرار حلّ البرلمان المصري الصادر عن المحكمة الدستورية العليا الذي قيل عنه إنّه صدر بناءً على رغبة المجلس الأعلى للقوّات المسلحة قبيل انتخاب الرئيس المصري الجديد، إذ كان يدير دفّة السلطة في بلاد النيل، وقد أصدر في هذا السياق ما سُمّي “الإعلان الدستور المُكمّل” الذي ينتزع سلطة مجلس الشعب التشريعية ويضعها في يد العسكر.
مرجع سياسي لبناني كبير توقّف بإهتمام عند قرار مرسي، محاولاً استكشاف أبعاده والخلفيات في الوقت الذي تلقّى الرئيس المصري من نظيره الاميركي باراك اوباما دعوة لزيارة واشنطن في أيلول المقبل، وذلك بعد أقلّ من يومين على تلقّيه دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لزيارة الرياض التي سيلبّيها غداً الأربعاء، وذلك في أوّل زيارة خارجية وعربية له بعد تولّيه سدّة الرئاسة المصرية، يبدو أنّ المُراد منها تعزيز العلاقات المصرية ـ السعودية في ظلّ الجمهورية المصرية الثانية انسجاماً وتمهيداً لإعادة الروح إلى المثلّث التقليدي التاريخي الذي يقوم عليه النظام العربي الذي يضمّ مصر والسعودية وسوريا التي يفترض أن تعاود الانضمام إلى هذا المثلّث بعد خروجها من أزمتها.
ويقول هذا المرجع اللبناني إنّ قرار مرسي بإحياء البرلمان المُنحلّ إذا لم يكن متّفقاً عليه مسبقاً مع المجلس العسكري، سيُحدث اشتباكاً سياسيّاً كبيراً بين الجانبين، ويمكن أن يؤدّي إلى توريط الجيش المصري في أزمة داخلية لا بدّ من أن تنعكس سلباً على هيبة الجيش ومكانته، وعلى دوره وعلاقته بمختلف شرائح الشعب المصرية، خصوصاً إذا تطوّرت هذه الأزمة إلى حرب أهلية بين المصريين فتتشتّت معها قوى هذا الجيش وقدراته وإمكاناته ما يؤدّي إلى فقدان مصر والعرب أكبر جيش عربي يُعوّل عليه تعديل الكفة في النزاع مع اسرائيل الذي كان اتّفاق كمب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978 قد أخرجه منه بما رجّح الكفة في هذا النزاع لمصلحة تلّ أبيب.
أمّا إذا كان قرار مرسي مُنسّقاً مع المجلس العسكري، فإنّ ذلك يكون في رأي المرجع السياسي، خطوة موفّقة من شأنها أن تُبدّد التشنّج القائم في الساحة المصرية منذ أن حُلّ البرلمان الذي يتبوّأ “الإخوان المسلمون” والتيار أكثرية مرموقة من مقاعده، ولم يُبدّد انتخاب مرسي رئيساً للجمهورية هذا التشنّج بعد، خصوصاً أنّ “الإخوان” على الأقل، وجدوا في حلّ البرلمان محاولة من المجلس العسكري وجهات دولية لتحجيمهم، ومنعهم من الإمساك بكلّ مفاصل السلطة.
علماً أنّ كثيرين كانوا توقّعوا دخول مصر في حرب أهلية لو لم يفُز مرسي بسدّة الرئاسة في مواجهة منافسه الفريق أحمد شفيق الذي كان يحظى بدعم المجلس العسكري وقوى سياسية مصرية وعربية ودولية عدّة.
وفيما لم يصدر عن المجلس العسكري الذي اجتمع استثنائيّاً مرتين لدرس قرار مرسي، أي موقف حياله قبولاً او رفضاً، أعلنت المحكمة الدستورية العليا، صاحبة قرار حلّ البرلمان أنّ أحكامها “نهائية وملزمة لكلّ جهات الدولة وهي غير قابلة للطعن”، مشدّدة على أنّها “ليست طرفاً في أيّ نزاع سياسي”.
وقد استنتج سياسيّون من هذه المواقف أنّ قرار مرسي لم يكن مُنسّقاً، لا مع المجلس العسكري ولا مع المحكمة، ما يعني أنّ الوضع المصري قد يكون مفتوحاً على أزمة حادّة بين “الإخوان” والعسكر تثير المخاوف على تورّط الجيش المصري فيها، وبالتالي دخول مصر في حرب داخلية تُعطّل دور جيشها وتعرّضه للتفكّك، وفي ظلّ ذلك يتحقّق أفضل خدمة لإسرائيل، التي استفادت كثيراً من تفكّك الجيش العراقي سابقاً، وهي تحاول الآن الاستفادة ممّا يتعرّض له الجيش السوري من محاولات لتفكيكه تقف وراءها هي والقوى الغربية المتدخّلة في الأزمة السورية.
فالجيش العراقي وُرِّط أوّلاً في حرب ضد إيران عام 1979، ثمّ في اجتياح الكويت عام 1991، ثمّ في حرب الخليج عام 2003 التي انتهت بإطاحة نظام صدام حسين وتفكيك هذا الجيش وحلّه، بعدما كان يعتبر من أقوى الجيوش العربية وأكثرها عدّة وعديداً.
والجيش السوري يتعرّض الآن لمحاولات كثيرة لتفكيكه منذ اندلاع الأزمة السورية قبل عام ونيف، إذ يتمّ إشغاله في حروب داخلية مترافقة مع تهديدات خارجية، وذلك نتيجة الحرب التي تُشنّ في سوريا وعليها، وكلّ ذلك يُراد منه تفكيك هذا الجيش وتشتيته بما يريح اسرائيل، خصوصا أنّه جيش دولة مواجهة مع اسرائيل، تماماً كالجيش المصري الذي هيّأت الثورة المصرية له سبيل العودة مجدّداً الى ساحة النزاع العربي الاسرائيلي على رغم أنّ اتّفاق كمب ديفيد ما زال نافذاً.
ولا ينسى العرب ما حلّ بالجيش الجزائري إثر اتّخاذ الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين من خلال حربي 1967 و1973 المبادرة حين قدّم شيكاً مفتوحاً الى قيادة الاتّحاد السوفياتي طالباً منها تسليح الجيش المصري ومدّه بكل ما يحتاج إليه في المعركة ضد اسرائيل، وانتهى الأمر بالرئيس الجزائري مسموماً، في الوقت الذي بدا التفسّخ في القيادة الجزائرية إلى أن دخلت الجزائر في حروب أهلية ونزاعات مسلّحة ما تزال تعيش ارتداداتها حتى اليوم، وما عاد معها للجيش الجزائري أيّ دور ملموس في النزاع العربي – الاسرائيلي.
البعض يقول إنّ “الربيع العربي” الذي انطلق في البداية تعبيراً عن التطلعات المشروعة للشعوب العربية إلى اقامة أنظمة عادلة وديموقراطية، بدأ الاسرائيليون وحلفاؤهم الغربيون العمل على تحويله “ربيعَ إسرائيل” عبر الانقضاض على الثورات والأنظمة التي أنتجتها حتى الآن من أجل إغراق بلدانها في حروب داخلية طويلة تبقي إسرائيل آمنة إلى عشرات السنين.
جريدة الجمهورية | طارق ترشيشي