في وقتٍ تتعالى فيه الصيحات للابتعاد عن الكتل الخرسانية المصمتة والثقيلة، تأتي هذه القنبلة الخرسانية الضخمة لتحتل موقعاً لها في العاصمة الفرنسية باريس.
فداخل هذا الوحش الخرساني تقبع ثمانية مساكن وأربعة استديوهات فنية ومنطقةٍ واحدة للبيع بالتجزئة على الزاوية؛ حيث تقبع الاستديوهات في الطابق الأرضي، بين تخترق السقف فتحةٌ بيضاوية الشكل، تعلو درج المدخل الخاص لإحدى الشقق، ولكن على مرآ للعيان على واجهة المبنى.
أما عن البطل وراء التصميم فهو المعماري الفرنسي Charles-Henri Tachon، الذي أنجز تحتفه عام 2010، والذي صرّح في الحديث عنه ما يلي:
تم إنشاء هذا المبنى بالاعتماد على الاسمنت المسلح بشكلٍ تام حيث يرتكز على أساسات مدعّمة، ويهدف التصميم هنا لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية:
يتعلق الهدف الأول بالإشارة إلى السكن الاجتماعي، فكلمة “اجتماعي” هي كلمة أساسية هنا، بما أنها تشير إلى قدرة مبنى سكني على خلق الترابط والتبادل الاجتماعي بين قاطنيه.
وتعتمد هذه العلاقات الاجتماعية على الإدراك، الذي يرتبط بدوره باكتشاف محيط الفرد، بما في ذلك ما يحيط بشقته.
لذا تمتلك أصغر شقق المبنى إطلالات متنوعة على الخارج، لأن ذلك يؤمن فهماً أفضل للبيئة المحيطة.
وبما أن الإدراك يتعلق أيضاً بإدراك الآخرين؛ تعبّر كل وحدة سكنية عن نفسها عبر الواجهة، حيث يمكن تمييزها بسرعة ضمن نطاق الحي بوصفها على سبيل المثال بأنها “تلك الوحدة ذات النافذة الكبيرة”، أو “ذات التراس”، أو حتى “الموجودة على السقف”.
وهكذا يتحول كل قاطن إلى جزء أساسي من المبنى نفسه بفضل وحدته السكنية، وبالتالي يتحول إلى جزء من الحي والمدينة؛ وهذا ما يشكّل أصلاً شكلاً من أشكال الإدراك الاجتماعي.
أما عن الهدف الثاني فهو العمل الشديد وغير المساوم على خطط الوحدات السكنية، التي كانت أولى الأولويات خلال مراحل العمل بأكمله؛ فهنا لا توجد أية مساومات، والمنزل المبهج هو ذاك المنزل الفسيح… هو منزلٌ يقدم أكثر وأكثر… مساحة أكبر ووظائف أكثر وقدرة على العيش فيه.
وبهدف التوصل إلى السعة والتنوع الفراغي، تم خلق إطلالات قطرية تؤمن الشفافية والتعقيد، وتقدم تعاقبات من المساحات المستمرة، إلى جانب نطاقٍ واسعٍ من المساحات الداخلية المختلفة.
كما تم تصميم الشرفات والتراسات كتوسعات مباشرة لغرف المعيشة الداخلية، وللحصول على مساحات معيشة خارجية أكثر راحة واستخداماً.
أخيراً كان من الضروري التوصل لمنزلٍ مبهج، والمنزل المبهج هو ذلك المكان الذي يظهر فيه اهتمام المعماري بكافة التفاصيل؛ كبلاطات الحمام، وشكل المغاسل، وطبعاً اختيار السياق والنطاق المالي بوعيٍ تام.
فالمساحات المشتركة على سبيل المثال هي مساحات يتم التشارك بها مع الجيران لتأمين هويةً مشتركة، لذا تم إيلاء المساحات المشتركة هنا اعتناءً فائقاً، تماماً كالوحدات السكنية، حيث تم تطبيق عدة طرق للتوصل لتفاصيل وحلول مختلفة، وضمن ميزانية صغيرة أيضاً.
بمعنى آخر، تم إيلاء انتباه تام لكافة أصعدة ومستويات المشروع.
هذا ما قاله المعماري عن مشروعه، لكن ما قولكم أنتم؟