للمرة الرابعة خلال الأزمة السورية التصعيد العسكري يصل إلى الذروة، والتصعيد الحالي هو الثاني خلال شهرين، فبعد مناورات (أمريكا عرب أمريكا) في الأردن، ومناورات الأناضول (تركيا وعرب أمريكا) الآن بدأ تصعيد من نوع آخر، حيث تم إعادة نشر وحدات عسكرية في الجولان المحتل من قبل الكيان الصهيوني، وتعزيز للقوات التركية على الحدود السورية، وإعادة انتشار للقوات شمال الأردن مع تسرب معلومات عن تواجد سعودي أمريكي، فضلاً عن وجود قوات أمريكية في الأردن وكذلك في الكيان الصهيوني، والسؤال: هل محور (واشنطن تل أبيب الرياض الدوحة أنقرة) بصدد شن حرب على سورية، أم أنه تصعيد مفاوضات ما قبل مؤتمر جنيف؟.
عقدة الأسد..؟
الأمريكي وبحجة حفظ ماء وجه أنقرة والسعودية وقطر وأمن إسرائيل، وافق على بقاء النظام في سورية مقابل تنحي الرئيس الأسد، ومن ثم عودته عبر صناديق الاقتراع، ولكن الروسي قال لهم أي مواطن سوري يدرك أن تنحي الأسد ولو لعشرة أيام سيتسبب بحرب أهلية طويلة الأمد في سورية، وبالتالي المساس بالرئيس الأسد يعني المساس بأمن روسيا ورفض لأي حل سلمي، وبالتالي هو قرار استمرار واشنطن بالعمل السري والإستخباراتي ورفض للحوار.
ولكن الأمريكي عاد بحيلة جديدة وحمل تصعيدها البريطاني ومفادها “حكومة وحدة وطنية” تقلل من صلاحيات رئيس الجمهورية، وبالتالي مشروع دستور جديد، وبالتالي تريد واشنطن إدخال سياسيين على نمط المترجم غليون والإخوان المسلمين إلى سورية بمناصب عالية، بهدف إعادة خندقة الهجوم على سورية للمستقبل، وفكرة حكومة الوحدة الوطنية لا يرفضها الروسي من حيث المبدأ، ولكن يرفض أي تعديل بالدستور دون استفتاء شعبي، ويرفض تغيير الصلاحيات ما بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بتدخل خارجي، علماً بأن الرئيس الأسد يدرك تماماً مخاطر المرحلة وهو من قال “خسئتم لست أنا من يتخلى عن مسؤولياتي”، والموقف السوري هو جوهر الموقف الروسي، فلا يمكن أن يقبل الروس ما لا يقبله السوريون مهما كان، وبالتالي الأمريكي يعتقد نفسه ماكراً ويحاول كسب المعركة بوسائل مختلفة، وحيل جديدة، وأساليب مختلفة، ولكن مع كل طرح يصطدم بالحائط والجدار الأخير الذي اصطدم به كان إسقاط الطائرة التركية داخل المياه الإقليمية السورية بما تعني هذه الحادثة من معنى.
مقابل التصعيد تصعيد..
السوري يدرك جيداً ماهو ميزان القوى في المنطقة، والروسي لن يتنازل عما كسبه خلال هذه الأزمة من نفوذ شعبي، وبالتالي كان التصعيد يقابل بتصعيد من نوع آخر، وعنوان التصعيد الروسي السوري هو السير في الحسم على الأرض دون القبول بحل سياسي، وخلال سير الأزمة السورية كان الموقف السوري تصاعدي، فمع مرور كل يوم تفقد واشنطن ورقة جديدة وتخفض سقف التفاوض مع سورية، ومع صدور قانون مكافحة الإرهاب بما يمكن له أن يحجم دور المعارضة المسلحة ويقوي موقف القيادة، إلى جانب قيام الجهات المختصة بتطهير بعض المناطق كما سبق تطهير بابا عمرو، وقبلها كان إسقاط طائرة تركية دون أي إنذار مسبق وإسقاطها تحت مستوى إشارة الرادارات، والتصعيد هو العنوان السوري لرفض واشنطن الدخول في تسوية سياسية.
الاحتيال الأمريكي..؟
من جهة واشنطن وبحسب مصادر مطلعة، بدأت بإعادة عملاء لها إلى داخل الأراضي السورية، وبعض هؤلاء العملاء من المتخصصين بإخراج احتجاجات شعبية، ومحاولة فرض حكومة وحدة وطنية على مقاسها، يمكن فهم الطريق الأمريكي الذي يريد سحب العصابات من سورية والبدء بحل سياسي على المقاس الأمريكي، وبالتالي تريد واشنطن من مؤتمر جنيف السير في حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كبرى وتبدأ بسحب المسلحين وتعيد المتظاهرين الذين كانوا يتظاهرون بداية الأزمة، ولكن هذه الحيلة الأمريكية لا يمكن أن تمر لا على الروسي ولا على السوري، والمنتصر بالمعركة لا حاجة له لتقديم مثل هذه التنازلات للأمريكي، ولهذا ظهر تناقض في التصريحات الأمريكية، فمتحدث باسم كلينتون قال: لن تحضر الاجتماع إلا إذا اتفق الحاضرون على تنحي الرئيس الأسد، وطبعاً هذا السقف العالي للتفاوض مع الروسي حين تلتقي لافروف في موسكو، ومن جهة ثانية تصرح بأنها أي كلينتون أبقت مفكرة مواعيدها مفتوحة لحضور مؤتمر جنيف، وبالتالي لا تريد ترك ساحة التفاوض، ومع اقتراب تطبيق العقوبات الأوروبية الأمريكية على النفط الإيراني سيكون العالم دخل في الكثير من نقاط اللاعودة وأصبح عامل الوقت يحرق الأمريكي ويقوي الموقف السوري.
لا حرب قادمة
يمكن القول إن التصعيد العسكري الذي قامت به بعض الدول بأمر أمريكي والذي لم يكن لا الأول ولا الأخير، تصعيد تفاوضات، فعنوان جلسات مجلس الأمن مجازر في سورية، وعنوان المفاوضات تصعيد و(قرقعة طناجر) أمريكية، وحتى الطفل بالشؤون العسكرية يدرك تماماً أن أي حرب في المنطقة ميزان القوى فيه ليس لمصلحة حلفاء واشنطن بما تملك سورية وإيران والعراق ولبنان من نقاط قوى ونفوذ في المنطقة يهدّد ليس مصالح واشنطن فقط على المدى الطويل، بل يهدد بقاء الاتحاد الأوروبي نفسه، وبالتالي البالون الأمريكي لن يكون أكبر من سابقه، وآخر بالون أمريكي الذي تم تنفيسه بعد قمة بوتين أوباما كان المناورات على الحدود السورية، وبعد مؤتمر جنيف سنرى تنفيس بالون إعادة الانتشار العسكري على الحدود السورية، علماً بأن سورية حتى الآن ليست في حال استنفار حربي ولم تعلن النفير، ولم تستدعي الاحتياط ولم تسلح الجيش الشعبي، ولهذا تبقى الكرة بملعب الأمريكي، هل يريد الاستمرار أو التعلم من هزائمه، لا يهم الموقف الأمريكي ولكن ما يهم هو بدء الحسم على الأرض لفرض الحل بالقوة.
سيريان تلغراف | كفاح نصر