يرى البشر وجوها في جميع أنواع الأجسام غير الحية، وهي ظاهرة غريبة تُعرف باسم “الباريدوليا” (pareidolia).
و”الباريدوليا” هي ظاهرة يستجيب فيها العقل لمحفز عشوائي،عادة ما يكون صورة أو صوتا، بإدراك نمط مألوف بالرغم من أنه لا يوجد أي شيء، وهي عبارة عن رؤية الوجوه في أشياء عشوائية أو أنماط من الضوء والظل.
ووجد الباحثون في ولاية ماريلاند أن هذه الوجوه غالبا ما يُنظر إليها على أنها شابة وذات ملامح ذكورية أكثر من ظهور ملامح لكبار السن والإناث.
واختبر الباحثون ما يقارب 4000 متطوع بالصور لتحفيز ظاهرة “الباريدوليا”، بما في ذلك صور إبريق شاي “قلق” وتفاحة خضراء “مثيرة للاشمئزاز”.
واعتبر المشاركون أن الوجوه الوهمية لها تعبير عاطفي محدد، والعمر والجنس، لكنهم كانوا ينظرون إليهم في الغالب على أنهم شباب ورجال.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك، رؤية وجه رجل، وليس وجه امرأة، على سطح القمر. ولم يكن الباحثون متأكدين من سبب ذلك.
وأجرت الدراسة الجديدة سوزان واردل وزملاؤها في المعهد الوطني للصحة العقلية في بيثيسدا بولاية ماريلاند. ويقول الفريق: “على الرغم من طلاقتنا في قراءة الوجوه البشرية، فإننا أحيانا نتصور خطأً الوجوه الخادعة في الأشياء، وهي ظاهرة تُعرف باسم الوجه الباريدوليا. ونظهر هنا أن الوجوه الخادعة تستحوذ على الإدراك الاجتماعي بما يتجاوز اكتشاف الوجه: لديهم تصور للعمر والجنس والتعبير العاطفي. وبالإضافة إلى ذلك، أبلغنا عن وجود تحيز صارخ في الإدراك الجندري، مع وجود العديد من الوجوه الوهمية التي يُنظر إليها على أنها ذكورية أكثر من أنثوية”.
وتشرح واردل: “توضح نتيجتنا أن الميزات المرئية الكافية لاكتشاف الوجه ليست كافية بشكل عام لإدراك الأنثى”.
ووجه “الباريدوليا” لا يقتصر فقط على القدرة على تحديد السمات الفردية للوجه في شيء ما، بما في ذلك العينان والأنف والفم، إنه أيضا قادر على تمييز المشاعر المختلفة من هذه “الوجوه”، بالإضافة إلى أدلة أخرى حول الشخص أو الكينونة التي ينتمي إليها “الوجه”.
ومن أجل دراستهم، أجرى الأكاديميون سلسلة من التجارب السلوكية واسعة النطاق على 3815 مشاركا بالغا، مع نفس العدد تقريبا من الرجال والنساء.
وشاهد المشاركون 256 صورة لوجوه وهمية في مجموعة متنوعة من الأشياء الطبيعية والتي هي من صنع الإنسان، مأخوذة من مصادر مختلفة، بما في ذلك صور “غوغل” وReddit والمجموعات الشخصية للمؤلفين.
ولكل صورة، قام الفريق بحساب مدى سهولة رؤية المشاركين للوجه، كما تم تقييمه على مقياس مكون من 11 نقطة، وتصورات العواطف والعمر والجنس.
ووجد الفريق مجموعة واسعة من المشاعر التي تم إدراكها عبر الوجوه الوهمية المختلفة، مثل السعادة، والمفاجأة، والغضب، والحزن، والخوف والاشمئزاز.
ووقع تصنيف 19% فقط من الوجوه الوهمية على أنها ذات تعبير محايد، في حين نُظر إلى 34% على أنها تعبر عن السعادة و1% تم تفسيرها على أنها تُظهر الاشمئزاز.
وبالإضافة إلى ذلك، كان يُنظر إلى معظم الوجوه الوهمية على أنها شابة وليست كبيرة في السن. وبشكل عام، كشفت النتائج عن وجود تحيز قوي تجاه تفسير الوجوه الوهمية على أنها ذكر وليس أنثى، بنسبة 4: 1 تقريبا.
وإجمالا، أظهر 80% من المشاركين تحيزا للذكور، في حين أظهر 3% فقط تحيزا للإناث.
وتشير النتائج إلى أن هناك تحيزا معرفيا، من المحتمل أن يكون متأصلا بعمق ومرتبطا بكيفية عمل أدمغتنا يجعل البشر يرون الوجوه الوهمية للذكور، على عكس التحيز الإدراكي.
ومن الممكن أن يكون الشباب والذكور هو “الجنس الافتراضي في التواصل الاجتماعي”.
ويوضح الفريق: “إن أصل التحيز، سواء من التكييف الاجتماعي أو من العوامل الإدراكية، مثل نظامنا الغذائي البصري للوجوه أثناء التطور، يظل سؤالا مفتوحا بعيدا عن متناول البيانات الحالية. والفكرة ذات الصلة هي أن الذكر هو الجنس الافتراضي للوجه، ما لم توحِ التفاصيل المرئية الأخرى (مثل الرموش والشعر الطويل والحواجب المشذبة) بشكل مختلف”.
ويشار إلى أنه حتى وقت قريب لم يفهم العلماء بالضبط ما يفعله الدماغ عندما يعالج الإشارات البصرية ويفسرها على أنها تمثيلات لوجه الإنسان في ظاهرة “الباريدوليا” ، إلا أنه في العام الماضي، اقترح فريق من الباحثين في جامعة سيدني أن الوجه هو جزء أساسي من آلية البقاء لدينا، ما يساعدنا على تحديد ما إذا كان الوجه صديقا أم عدوا، حتى لو لم يكن حقيقيا.
سيريان تلغراف