يختلف تاريخ وتقاليد الزراعة من منطقة إلى أخرى في العالم. هذه الحقيقة باتت أساسا لدراسات حديثة في مجال الاقتصاد والاجتماع والسياسة.
وتفيد المجلة الاقتصادية البريطانية، بأن باحثين أمريكيين من أصول أوروبية، توصلوا إلى استنتاج يفيد، بأنه على مدى قرون عديدة يحصل سكان البلدان على المحاصيل الزراعية بعد جهود كبيرة وتكاليف عالية، ومع ذلك إلى الآن يرغبون بالعمل أكثر وأكثر، حتى إذا لم يكونوا مرتبطين بالزراعة.
وقد قيم المحلل السياسي فاسيليكي فوكا والاقتصادي ألين شليبفر، الأوضاع الحالية استنادا إلى بيانات نتائج المسح الاجتماعي الأوروبي لأعوام 2002-2014 الذي يجري مرة كل سنتين، بهدف إجراء تحليل مقارن للمواقف ووجهات النظر والقيم وسلوك سكان البلدان الأوروبية.
وركز الباحثان في عملهما على ثلاثة مؤشرات- الأول، عدد الساعات التي يقضيها الشخص في العمل خلال الأسبوع، وثانيا، عدد ساعات العمل المطلوبة أسبوعيا. وثالثا، الفرق بين عدد ساعات العمل بموجب عقد العمل وبين الساعات الفعلية التي يقضيها الشخص في العمل.
واستخدم الباحثان في المقارنة التاريخية مصادر مثل التعداد الزراعي في بروسيا في القرن التاسع عشر، وإحصائيات وزارة الزراعة الأمريكية وغيرها، مع الأخذ بالاعتبار مؤشرات أخرى مثل التغيرات المناخية والموقع الجغرافي.
وكانت النتائج التي حصل عليها الباحثان مفاجئة ومتوقعة في نفس الوقت. فقد تبين أن معظم مدمني العمل، يعيشون حاليا في المناطق التي كان أجدادهم على مدى قرون يمارسون زراعة البطاطا والشوفان والشعير والقمح وغيرها، التي تحتاج إلى بذل جهود كبيرة للحصول على منتوج جيد لكسب أقصى ربح ممكن من بيعها.
وبعبارة أخرى، اتضح أنه في المناطق التي كان المنتوج الزراعي يعتمد كثيرا على عمل الفلاحين، والجهود التي يبذلونها، أكثر من العوامل الأخرى، إلى الآن يقضي الناس في هذه المناطق ساعات طويلة في العمل.
ويقول فوكا، “وفقا لإحدى النظريات الموجودة، كانت زراعة الأرز شاقة جدا، ما جعل لهذا النبات تأثيرا كبيرا في السلوك وأخلاقيات المجتمعات التي تاريخيا تعتمد على الأرز. وقد أظهرت دراستنا أن هذا المبدأ صحيح وينطبق على مختلف المحاصيل الزراعية في أوروبا. ففي المناطق التي كان مردود العمل الشاق مثمرا ويجلب الربح لأجدادنا، أصبح فيها سلوك وأخلاقيات العمل جزءا من ثقافتهم ولا يزال الناس فيها يحتفظون به إلى يومنا هذا”.
سيريان تلغراف