الدعوة القطرية لإرسال قوات عربية تستهدف التغطية على مآزق المتآمرين على سورية إنهاء العنف لا يكون بتسويق الأجندة الأميركية إنما بوقف التحريض وتمويل المسلحين
طرحت دعوة حاكم قطر حمد بن خليفة آل ثاني لاستقدام قوات عربية إلى سورية بحجة «إنهاء العنف وإعادة الاستقرار إليها» الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول الدور التآمري الذي يواصل حكام قطر القيام به نيابة عن المخطط الأميركي ـ الغربي وحتى «الإسرائيلي» الذي يستهدف ضرب سورية وإخراجها من تاريخها وثوابتها خدمة لهذا المخطط الجهنمي الذي يتماهى مع مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ولذلك، فالسؤال الذي يطرحه المتابعون للوضع السوري والسياسة التي اعتمدتها قطر منذ بداية الأزمة، لماذا هذا السلوك التآمري للحاكمين في هذه «الإمارة الصغيرة» على دولة بحجم سورية تاريخاً وموقعاً ودوراً؟ في معلومات لسياسي لبناني زار أخيراً بعض العواصم العربية أن هذا الاقتراح القطري جاء نتيجة مجموعة معطيات وخلفيات أبرزها الآتي:
أولاً: لقد شعر حاكم قطر ومن حوله أن مسعاهم لإرسال المراقبين العرب لم يحقق الغايات التي كان أصحاب المشروع التآمري يسعون إليها، خصوصاً بعد أن انقلبت مهمة المراقبين الى عكس ما أراده هؤلاء من وراء انتداب البعثة العربية، نتيجة الحد الأدنى من الحيادية التي اعتمدها المراقبون، خصوصاً أن حقيقة الوضع على الأرض لم تكن كما تروج له القنوات الفضائية التابعة لقطر وغيرها من حكام الخليج.
ثانياً: لقد أصيبت القوى التي تدفع لضرب سورية بخيبة أمل كبيرة بعد أن أدركت أن رهاناتها على ما يسمى «المعارضة السورية» تعرضت لنكسات كبيرة، خصوصاً أنها كانت تراهن على تصاعد المعارضة الشعبية في كل أنحاء سورية ـ وبالدرجة الأولى دمشق وحلب ـ بعد انتشار المراقبين، والسماح لكل وسائل الإعلام العربية بما في ذلك التي لا دور لها سوى التزوير والتحريض، بل أن الوقائع أكدت تراجع التظاهرات التي كانت تجري في الأشهر الماضية، بحيث تدنت نسبة المشاركة الشعبية إلى مستويات لم يكن هؤلاء يتوقعونها، فأعداد المشاركين في هذه التظاهرلات في أيام الجمعة لا تتعدى بضع عشرات الآلاف، علماً أن نسبة كبيرة من هؤلاء يشاركون في التظاهرات تحت وطأة التهديد بالقتل والتفجير التي تلجأ إليها المجموعات المسلحة.
ثالثاً: إن حكام قطر ومن معهم، على معرفة كاملة أن تراجع العنف الذي يتحدثون عنه، إنما يحصل عندما يوقف هؤلاء إمداد الجماعات الإرهابية بالسلاح، والمال، ويطلبون من إعلامهم وقنواتهم الفضائية التوقف عن بث الأكاذيب وعمليات التحريض على القتل والإرهاب، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى.
وانطلاقاً من ذلك، فالسؤال الآخر الذي يطرح نفسه بعد الاقتراح القطري المشبوه، هل أن هذه الدعوة قابلة للحياة أم مجرد دعاية إعلامية؟ يقول المتابعون للسياسة القطرية إن الدعوة لإرسال قوات عربية إلى سورية تعبير عن الأمور الآتية:
1 ـ إن المأزق الذي يعيشه حكام قطر بعد انكشاف دورهم التآمري دفعهم إلى مثل هذه الدعوة، كمحاولة مكشوفة لإرضاء حلفائهم في «مجلس اسطنبول» ومعه قوى الحلف الأميركي ـ الغربي.
2 ـ محاولة مبطنة لفتح الطريق أمام التدخل الأجنبي لأن هؤلاء يدركون أن «قوات حفظ سلام عربية» لن تستطيع فعل شيء على الأرض، ما لم يتوقف امداد المجموعات المسلحة، وبالتالي فالخطوة الثانية بعد فشل هذا الاقتراح ستكون الدعوة إلى التدخل الأجنبي.
ولذلك، يلاحظ المتابعون لهذا الاقتراح أنه سيبقى «مجرد حبر على ورق»، خصوصاً أن بعض الدول، مثل تركيا وبريطانيا، رغم دورهما في ضرب استقرار سورية، تحفظتا على هذا الاقتراح لعلمهما أنه لا يغيّر بواقع الأمور أولاً، ولأنهما باتتا على قناعة بأن لا أحد قادر على التدخل المباشر في الوضع السوري، لذلك فهما قللا من أهمية الاقتراح القطري.
في خلاصة الأمور، يقول المتابعون للوضع السوري إن على حكام قطر الأخذ بما يؤكده الإعلام الغربي عن حقيقة الأمور في سورية، ولذلك يدعو هؤلاء أمير قطر ومن حوله لقراءة ما كتبه مثلاً، الكاتب الأميركي أنطوني كورثمان الذي ينتهي في تقرير مطول عن الوضع السوري إلى ثلاثة تأكيدات هي: التأكيد الأول: أن هناك مأزقاً كبيراً أمام الغرب لناحية تدخله بالأزمة السورية لاعتبارات عدة ليس أقلها الانقسامات الحادة داخل ما يسمى المعارضة السورية.
التأكيد الثاني: إن الطريق مسدود في مجلس الأمن أمام أخذ قرار يتيح للغرب التدخل في الوضع السوري بسبب الرفض الحاسم من قبل روسيا والصين لأي قرار ««دولي» بهذا الشكل.
والتأكيد الثالث: أن سورية أظهرت تماسكاً فاجأ الغرب، خصوصاً على مستوى الجيش، مسنوداً بأكثرية شعبية تقف مع قيادتها وبالدرجة الأولى مع سياسة الرئيس بشار الأسد.