كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، النقاب عن جاسوس إسرائيلي عمل في لبنان وسوريا قبل أن يبدأ إيلي كوهين العمل.
وذكرت الصحيفة، استناداً إلى كتاب يصدر في تل أبيب من تأليف روني شاكيد عن دار «يديعوت» للنشر بعنوان «من القدس إلى دمشق وبالعكس»، أن هذا العميل واسمه الأصلي مسعود بوتون كان يدعى في لبنان باسم مصطفى طالب، وعمل كرجل أعمال. واعتبرت الصحيفة أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تكرم بوتون كما ينبغي بعد عودته إلى إسرائيل في العام 1962، فهاجر إلى فرنسا حيث توفي في ستراسبورغ منتصف العام الماضي.
وتبدأ الصحيفة قصتها من النهاية، فتشير إلى أن بوتون عاد إلى مطار اللد من بيروت في 14 كانون الثاني العام 1962، وكان في الأربعين من عمره، فلم يجد بانتظاره أحداً من زملائه في «الوحدة 131» التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية. وكان قبل ذلك بأيام قد ترك أصدقاءه في بيروت متوجهاً بسيارته من طراز «بيجو 403» عابراً الحدود إلى سوريا وتركيا واليونان ويوغوسلافيا إلى العاصمة الإيطالية ومنها إلى إسرائيل. وخلال هذه الرحلة الطويلة تحرك كرجل أعمال لبناني باسم مصطفى طالب، إلى أن هبط في إسرائيل مسعود بوتون الذي كان قد ولد في القدس الشرقية المحتلة.
وتكتب الصحيفة أن بوتون كان «رجلنا في بيروت ودمشق من نهاية الخمسينيات حتى مطلع العام 1962 كجاسوس تقليدي، لديه جهاز بث في خزانة الملابس في غرفة النوم، حين لم يكن هناك بديل لرجل الميدان في مهنة التجسس. ولكن بوتون الذي أعد الوثائق لإيلي كوهين، الجاسوس الذي حل مكانه في سوريا، لم يحظ البتة باعتراف بعمله، فقد لفظته المؤسسة الأمنية بفظاظة، من دون تعويضات. وللحظة بدا الجاسوس وكأنه عدو، وأقيل من شعبة الاستخبارات وبقي من دون عمل». وبعد عامين من ذلك ترك بوتون إسرائيل وهاجر مع زوجته وطفليه إلى فرنسا حيث عاش فقيراً من دون أن يسمع أحد به.
ويروي روني شاكيد، وهو في الأصل ضابط مخابرات، أنه جلس مع بوتون لكتابة قصته التي تكاد تكون خيالية. وروى بوتون له كيف أنه ظهر في صورة نشرت في صحيفة لبنانية في العام 1959 في اجتماع وزراء الخارجية العرب. وبحث شاكيد عن الصورة في أرشيف «المكتبة الوطنية» ووجدها. ويقول إن بوتون، الذي ولد في العام 1924، انضم في صباه لحركة «أيتسل» واعتقله البريطانيون لدوره في تفجير محطة قطارات. وقد تزوج من استير، وله منها ولد وبنت.
وبعد انتهاء حرب 48 أوفدته الوكالة اليهودية إلى المغرب العربي للمشاركة في تهجير اليهود، وبعد عودته في العام 1954 تم تجنيده «للوحدة 131» في شعبة الاستخبارات، وهي الوحدة المكلفة بتجنيد وتدريب عملاء إسرائيليين للعمل في الدول العربية. وفي مطلع العام 1955 تم إرساله في مهمته، حيث وصل إلى لبنان من إيطاليا في العام 1957 بوصفه الجزائري مصطفى طالي. وقد تعرف في إيطاليا على فتاة، وكان اسمها سورماري. وبعد أن استقر في بيروت أولا في ساحة البرج استأجر بيتاً في حي بدارو، وعمل في مجال سفن الصيد وبيع محركات لجرارات زراعية والنسيج والنجارة وتوزيع الأفلام، وصولا إلى استيراد الأثاث من إيطاليا. بل أنه كان بين المزودين لمعدات مطار بيروت، وأنه أصر على الحصول على مخططات المطار، وهي المخططات التي استخدمها الجيش الإسرائيلي لاحقا في عمليته ضد مطار بيروت في العام 1969.
وبحسب الكتاب فإن بوتون أفلح في نيل الجنسية اللبنانية في العام 1959، بعد أن ادّعى أنه من مواليد قرية لبنانية جنوبية وأن اسم عائلته ليس طالي وإنما طالب. وقد ساعده في ذلك موظفون كبار في المؤسسات اللبنانية ممن تعرف عليهم في أعماله. وكلبناني أقام أعمالاً في العاصمة السورية. وبعدها تزوج من صديقته الإيطالية التي اشترى لها شقة صغيرة في روما بعد أن كان قد جلبها إلى لبنان. ويشدد الكتاب على أن سورماري لم تكن تعرف شيئا عن بوتون ومهامه. وكان بوتون يصل إلى إسرائيل في إجازة مرة كل عام. وكان يطلب السماح له بإجازة مع زوجته وطفليه في سويسرا، وهو ما حدث مرة واحدة فقط ورُفض مراراً، الأمر الذي خلق نزاعاً دفعه للطلب بترك المهمة والعودة. وحينها طلب منه يوسكا ياريف، المسؤول عن الوحدة تلك الأيام، بتصفية أعماله والعودة. وعاد ولكن بعد أن رتب وثائق أمين كامل ثابت الذي عرف لاحقاً بأنه ليس سوى إيلي كوهين.
وحاول بوتون بعد ذلك إصلاح الأمور مع شعبة الاستخبارات ولكن من دون جدوى، إذ تم اعتباره منتهكا للعقد وأقيل. ولم يفلح في إيجاد عمل مناسب في إسرائيل فهاجر مع عائلته إلى فرنسا بعد أن تم تحذيره من البوح بما جرى. وعاد إلى روما حيث طلق سورماري بعد أن أخبرها أنه متزوج وله طفلان، وتنازل لها عن الشقة في روما. وفي ستراسبورغ عمل بوتون في مطعم تابع للطائفة اليهودية ثم كسائق وعاش في فقر.
سيريان تلغراف | يديعوت احرونوت