الإعلام الرسمي وشبه الرسمي يردد منذ أسبوع تفاصيل مقابلة نسبها لمجلة ” نيويوركر” ، ورئيس تحرير المجلة “يشد شعره” دهشة وذهولا!؟ ومواقع الانترنت الاخبارية تنشره دون تدقيق.
وعلى مدار أسبوع كامل تقريبا ، لم تبق وسيلة من وسائل الإعلام تلك إلا ورددت “المقابلة” المزعومة كاملة أو بعضا منها ، بمناسبة وغير مناسبة . ولا يزال ترديددها والإشارة إليها مستمرين حتى ساعة نشر هذا التقرير. كما أن العديد من ضيوف وسائل الإعلام تلك ( التلفزيون الرسمي، قناة الدنيا، الإذاعات المحلية..) انضموا هم أيضا إلى جوقة المرددين! والأطرف من هذا أن جميع من ذكروا “المقابلة” تحدثوا عن أنها أجريت من قبل “صحيفة” ذي نيويوركر! أي أنهم لا يعرفون حتى كونها “مجلة أسبوعية” ، رغم أنها تضم بين أسماء محرريها نخبة من أبرز صحفيي التحقيقات في العالم ، وعلى رأسهم سيمور هيرش!
“المقابلة” المفبركة تتحدث بلسان هنري كيسنجر فتقول ” الرئيس حافظ الأسد هو الوحيد الذي هزمني في الماضي واليوم سورية بشار الأسد أدهشتني، فالشعب بغالبيته الساحقة يحبه ويقف معه”. وتضيف القول بلسانه أيضا ، “لقد اعتقدنا أن الرئيس حافظ الأسد قد نفى جميع الأغبياء خارج بلاده ولكن لحسن حظنا مايزال هناك 3 ملايين منهم، هل تعتقدون أننا أقمنا الثورات في تونس وليبيا ومصر لعيون العرب؟ (يضحك ساخراً) بعدها ويقول: كل ذلك لأجل عيني إيران وسورية، لقد حاولت مع الرئيس حافظ الأسد وأنا أعترف أنه الشخص الوحيد الذي هزمني وقهرني في حياتي كلّها. (…) إن (ثورة سورية) أصبحت ومنذ آب 2011 حرباً عالمية ثالثة باردة، ولكنها ستسخن بعد عدة شهور هنا” ..
ليس معلوما بعد من يقف وراء هذه المقابلة المزعومة، ولماذا أقدم على فعلته تلك ، إذا وضعنا جانبا الغاية الدعائية الرخيصة والمبتذلة من ورائها .
منذ سماعنا هذه “المقابلة” قبل نحو خمسة أيام ، أجرينا بحثا دقيقا في أرشيف المجلة المذكورة للتأكد منها، رغم أننا أدركنا من البداية أنها مفبركة ، لمعرفتنا بأن كيسنجر لا يتحدث بهذه الطريقة التي تشبه الطريقة التي يتحدث بها الإعلام الرسمي عن راس النظام !
هذا ناهيك عن الابتذال والصبيانية والهرطقة التي انطوت عليها. ومع ذلك لم نكتف بالبحث في أرشيف المجلة ، بل حاولنا الاتصال برئيس تحريرها ديفيد ريمنك David Remnick للتأكد على نحو حاسم من الأمر، انطلاقنا من معرفتنا بأن هناك طبعتين من المجلة إذا جاز التعبير، واحدة ورقية وأخرى ” أون لاين”. وغالبا ما تكون هناك مواد منشورة في الأولى وليست منشورة في الثانية ، والعكس صحيح أيضا. وبعد ثلاثة أيام من المحاولات الفاشلة تمكنا من “الإمساك به”. وما إن سمع الرجل بالقصة حتى أصيب بالدهشة والذهول ، حتى أنه أراد التأكد مما إذا كنا نعني ” مقابلة” مع كيسنجر أم مجرد اقتباس منسوب إلى كيسنجر أوردته المجلة في أحد أعدادها. فهو لم يستطع أن يصدق أن يقدم إعلام دولة ما على فعلة من هذا النوع .
يبقى أن نقول ، كي تكتمل المفارقة، إن آخر مقابلة أجراها كيسنجر مع صحيفة مطبوعة كانت في 27 تشرين الثاني /نوفمبر مع”ديلي سكيب” Daily Squib .. ولم يذكر فيها اسم سوريا ولو مرة واحدة ، رغم أنها النقطة الأكثر سخونة والتهابا في العالم منذ بضعة أشهر!؟
سيريان تلغراف | الحقيقة – بانوراما
هنا النص المفبرك للمقابلة التي لم يجرها أحد ولم يسمع بها حتى صاحبها :
من هي سوريا برأي هنري كيسنجر ؟
لقد اعتقدنا أن حافظ الأسد قد قضى على جميع الأغبياء في بلاده ، ولكن لحسن حظنا ما يزال هناك 3 مليون منهم ، هل تعتقدون أننا أقمنا الثورات في تونس وليبيا ومصر لعيون العرب ؟ “يضحك ساخرا بعدها ويقول” كل ذلك لأجل عيني أيران وسوريا ! ، لقد حاولت مع حافظ الأسد ، وأنا أعترف أنه الشخص الوحيد الذي هزمني وقهرني في حياتي كلها .. إن ثورة سوريا أصبحت ومنذ آب 2011 حرب عالمية ثالثة باردة ، ولكنها ستسخن بعد عدة شهور .
من هم المتحاربون ؟
الصين وروسيا والهند من جهة ومن جهة أخرى نحن وحلفاؤنا.
ولكن لماذا سوريا بالتحديد ؟
سوريا الآن مركز الاسلام المعتدل في العالم ، هو ذات الاسلام الذي كان على وشك الانتصار في 73 لولا أخينا السادات ، وسوريا في نفس الوقت مركز المسيحية العالمية ، ولا بد من تدمير مئات البنى العمرانية المسيحية وتهجير المسيحيين منها.
وهنا لب الصراع مع موسكو ، فروسيا وأوروبا الشرقية تدين بالأرثوذوكسية ، وهي تابعة دينيا لسوريا ، وهذا سر من أسرار روسيا وسوريا ، بالتالي ” فإخواننا العرب ” لو رشوا روسيا بكل نفطهم لن يستطيعوا فعل شيء .
هنا فهمنا وضع روسيا ، ماذا عن الصين والهند ؟
كلنا يعرف “هولاكو” وكيف أنه احتل أكثر من نصف آسيا ولكنه هزم عند أبواب دمشق ؟
هنا الصين تفعل العكس فبلاد الشرق من المحيط الهادي حتى المتوسط مترابطة مع بعضها كأحجار الدومينو ، لقد حركنا أفغانستان فأثر ذلك على الصين فما بالك بسوريا ؟
ويمكن ملاحظة أن الصين والهند والباكستان دول متنافسه متناحرة فيما بينها ، ولكن من يرى مناقشات مجلس الأمن حول سوريا يظنها دولة واحدة بخطاباتها وتصرفات مندوبيها واصرارهم على الترحيب بالجعفري أكثر من مره رغم أنه مندوب سوريا الدائم ، وعدم تذكر وجود قطر أو نبيل العربي في الجلسة .
ما الحل مع سوريا إذن ؟
ما من حل ، فإما ضرب سوريا بالصواريخ الذرية وهذا مستحيل لأن اسرائيل موجودة ، أو احراق سوريا من الداخل وهو ما يحدث الآن .
لقد قرأت عن سوريا كثيرا ، سوريا فقيرة الموارد الأحفورية ، وفقيرة المياه ، لكن ما يثير استغرابي كيف استطاع السوريون بناء هذه البنية التحتية العملاقة بالمقارنة مع مواردهم ؟
انظر أليهم ، الطبابة مجانية والتعليم شبه مجاني ، مخزونهم من القمح يكفي 5 سنوات ، ولكن أكثر ما أثار دهشتي تلاحم جيشهم ! وما لدينا من معطيات عمن انشق أو هرب منه لا يزيد عن 1500جندي من أصل 500 ألف !
أنا لا أعرف كيف لهذا الشعب أن يكون موحداً وهو مكون من 40 عرق وطائفة ؟