توقع خبراء، أن يشعل قرار تزويد سوريا بأنظمة إس 300، شرارة حرب استخباراتية شعواء، تدور رحاها حول عدد بطاريات هذه الصواريخ؟ وأماكن نشرها؟ ومدى حداثتها وما إذا كانت متحركة أم ثابتة؟
ومع إعلان وزير الدفاع الروسي، سرغي شويغو، عن عزم بلاده تسليم الجيش السوري بطاريات صواريخ “إس 300” خلال أسبوعين، أعادت أغلب الصحف والمواقع الإخبارية الروسية التذكير بتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبيرمان، التي أطلقها في أبريل الماضي، وهدد فيها بضرب منظومة إس 300 في حال وصولها لسوريا وتشكيلها خطرا على عمليات سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية.
فإذا كان تصريح الوزير شويغو صريحا وواضحا حول عزم موسكو تسليم هذه المنظومات الصاروخية التي لا مثيل لها، والتي ما زالت تثير رعب أمهر الطيارين العسكريين في العالم، فإن مدى حداثة النسخة المقرر تسليمها للجيش السوري من هذه الصواريخ تثير هواجس تل أبيب، خاصة وأنه من الواضح أن تزويد الجيش السوري بهذه السرعة القياسية بهذه الأنظمة المعقّدة، يقتضي سحبها من مستودعات ومخازن الجيش الروسي نفسه، وليس انتظار تصنيع أنظمة جديدة، وبالتالي فإن هذه الصواريخ يفترض أن تكون من الأحدث والأكثر تطورا والأقرب لمواصفات خليفتها إس 400.
ويوجد عدة نسخ من هذا النظام الصاروخي، منها “إس — 300 بي”، التي تم إنتاجها في عهد الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي ودخلت الخدمة عام 1978، ويوجد منها نسخ متطورة ومحسنّة قادرة على صد الصواريخ الباليستية، وتعد قدراتها مشابهة لمنظومة باتريوت “باك — 2” الأمريكية.
وتتميز “إس — 300″ بإمكانية تثبيتها في مخابئ أرضية أو استخدامها على مركبات متحركة، وتعتمد نظرية عمل صواريخها على استخدام رأس حربي وزنه 133 كغم، شديد الانفجار، يمكنه تدمير الهدف دون الحاجة إلى الاصطدام المباشر به.
إعلان روسيا عزمها منح الجيش السوري هذه المنظومة المتطورة، يشكل أكثر من مجرد رد فعل على إسقاط طائرة”إيل-20” الاستطلاعية، فهو بمثابة توجيه رسائل سياسية وعسكرية لكل المتورطين في الأزمة السورية، ويكاد يجمع المحللون أن هذه الرسائل تستهدف بالأساس الولايات المتحدة الأمريكية بعد إقدامها على الضربة الثلاثية ضد سوريا الربيع الماضي، وتلويحها بضربات جديدة بحجة الاستخدام المحتمل للسلاح الكيميائي في إدلب، فالروس في تحرك دبلوماسي متقن يخوضون الآن لعبة “شد الحبل” كمحاولة جديدة لمواجهة واشنطن وحلفائها وما يقومون به شرق الفرات وخاصة في منطقة التنف.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية في مركز الدراسات العسكرية والسياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ميخائيل ألكسندروف، فإن حظر الطيران الإسرائيلي فوق سوريا ليس الشيء الأكثر أهمية، لأن الأمر الرئيسي أن منظومات “إس 300″ في سوريا ستجعل من الصعب للغاية على الولايات المتحدة توجيه ضربة بمساعدة الطيران”.
لكن أمريكا تعي ذلك، ففي ظل إصرار موسكو على وضع قواعد جديدة لعرقلة أي محاولات لتكرار الضربات على المنشآت السورية، تدرك واشنطن أن دمج منظومتي “إس 300″ و”إس 400” يؤدي إلى إنشاء غطاء شامل يحمي كافة أراضي سوريا بشكل فعال برا وجوا.
لذلك من نافل القول أن تهتم جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية بكل شاردة وواردة تتعلق بمنظومات إس 300 لأنها ستشكل كسرا لقواعد اللعبة الجيوسياسية والتوازنات العسكرية التي كانت سائدة حتى الآن، وستفرض ميزان توازنات جديدة يعكس نفسه تلقائيا على الأوضاع السياسية ليس في سوريا وحدها بل وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
منظومات إس-300 التي لا مثيل لها، وحركتها إلى سوريا، وأماكن نصبها ونشرها، وكوادر تشغيلها، غيض من فيض الانشغالات التي ستؤرق طويلا رجال الاستخبارات الذين سيلاحقون كل شاردة وواردة حول هذا السلاح النوعي الذي سيدخل تغييرا نوعيا على خارطة الصراع في المنطقة وتوازناتها، وقد يشكل مدخلا لإقناع الرؤوس الحامية بضرورة ليس فقط حل الأزمة السورية بالوسائل السياسية الدبلوماسية، بل والصراع العربي الإسرائيلي بمجمله.
سيريان تلغراف