غالب قنديل
يتضح أكثر فأكثر من سياق الأحداث الدولية والإقليمية أن التوازنات الجديدة التي انتهت إلى تبلور حلف عالمي مناهض للهيمنة الأميركية ، و قوة الردع التي تمتلكها منظومة المقاومة في المنطقة ، تتعزز أكثر فأكثر بعد الخروج الأميركي من العراق ، و قد فرضت على الإمبراطورية الأميركية اعتماد إستراتيجية الحروب الصغيرة في محاولتها لاحتواء الفشل.
أولا حماية إسرائيل تشكل حجر الزاوية في المسعى الأميركي لعقد التفاهمات مع قيادات الحركات الإسلامية التي تسلمت الحكم في مصر وتونس وليبيا بينما تمارس الإدارة الأميركية على مستوى قضية فلسطين أعلى درجات الالتزام بمشروع الدولة اليهودية الهادف إلى تصفية هذه القضية ، والحركة المشهدية التي أطلقها الأميركيون على خط التفاوض بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ، تتكشف عن مهزلة بالعودة إلى خطاب أوباما الأخير حول القدس والذي يستكمل به فصولا سابقة من سياسة إدارته التي ذهبت نحو الاندماج الاستراتجي الأميركي الإسرائيلي لتدعيم قوة العدوان والهيمنة الإسرائيلية في المنطقة ، مع وجود وحدات من الجيش الأميركي ومخازن إستراتيجية للأسلحة في فلسطين المحتلة ، ومع الإعلان عن مناورات مشتركة متواصلة ، لتحصين القاعدة الاستعمارية الأخيرة التي تعول واشنطن على استخدامها ضد دول المنطقة وشعوبها.
تمثل الفتنة المذهبية الخط الأبرز في السياسات الأميركية ، وقد ظهرت في إطار الحروب الصغيرة التي يقودها ديفيد بترايوس ، عبر إعادة استعمال فصائل التكفير والمجموعات المتخصصة في أعمال الاغتيال والقتل والتخريب ، بالتوازي مع السعي إلى صفقة عبر عنها الحضور الأميركي المكثف في القاهرة لتعليق جرس السباق بين قادة الأخوان المسلمين والحزب السلفي إلى طلب الرضا الإسرائيلي ، كثمن للاعتراف السياسي الأميركي ، بينما يجند الأميركيون جميع عملائهم في البلاد العربية لتصعيد الضغوط ضد سورية بعد الفشل الذي منيت به الفصول السابقة من خطة تدمير القوة السورية.
ثانيا خطوط العمل الذي يطرحها هذا التحدي على عاتق منظومة المقاومة والاستقلال في المنطقة تتلخص في المحاور التالية:
1 – العمل السياسي والإعلامي المكثف في مقاومة ثقافة الفتنة وإعلام الفتنة وفي التصدي لجميع الأدوات السياسية والإعلامية والثقافية والدينية التي يدعمها الأميركيون مباشرة أو بالواسطة لتفعيل العصبيات ولتحريك صراعات مذهبية في البلاد العربية.
2 –حماية إسرائيل هي الحلقة المركزية في العقيدة الأميركية الإستراتيجية و بالمقابل فإن تحرير فلسطين وقضية فلسطين هما نقطة القوة الحاسمة التي يرتبط بها نهج منظومة المقاومة والاستقلال ، وهذا يتطلب تصعيدا للموقف السياسي والفكري والثقافي وللأداء الإعلامي على قاعدة أن تحرير فلسطين وانتصار شعبها هو الشرط الذي لا بد منه لضمان استقرار المنطقة و ازدهارها ، والتصدي بصورة مباشرة لمحاولة عملاء أمريكا في البلاد العربية تعميم الصورة الافتراضية التي أسستها كونداليزا رايس عبر مجموعة شرم الشيخ لاستبدال إسرائيل بإيران في عقل وتفكير الرأي العام العربي من المنطلق المذهبي .
3 – تفعيل العمل الحثيث المطلوب من قبل القوى الحية في العراق وبمساعدة كل من إيران وسورية لتحقيق مصالحة وطنية عراقية في وجه الخطة الجاري تنفيذها بإشراف أميركي وبمشاركة كل من تركيا والسعودية لإحياء الانقسامات في العراق والتي يستخدم في تنفيذها جهاز الموساد الإسرائيلي وفصائل التكفير التي يديرها بندر بن سلطان بالتعاون مع بترايوس منذ احتلال العراق.
4 – تصعيد جميع أدوات التحرك السياسية والعملية التي تحصن الوضع اللبناني من خطر الفتنة و خصوصا التصدي بحزم لكل محاولات التدخل في سورية على قاعدة مشروع الفتنة المذهبية الذي يحشد له المتورطون بناء على خطة جيفري فيلتمان.
5 – حشد الطاقات والجهود بدون استثناء على المستوى العربي والإسلامي العام في حملة عنوانها القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وترسيخ علاقة التضامن الوثيقة مع فصائل المقاومة الفلسطينية تأسيسا لانتفاضة فلسطينية ثالثة ترد زمام المبادرة لمنظومة المقاومة وتمثل الطريق الحاسم في مجابهة التهويد والاستيطان والمشروع الصهيوني الهادف إلى تصفية قضية فلسطين.
إن منظومة المقاومة التي تنطلق في هجومها المعاكس من ثباتها الدفاعي الرادع خصوصا بعد مباشرة سورية بقيادة الرئيس الأسد لعملية استرجاع زمام المبادرة في وجه المخطط الاستعماري، ومن خلال رد الاعتبار لعنوان فلسطين في الوعي العربي قادرة على إلحاق الهزيمة بالخطة الأميركية وإطلاق الفرز داخل الحركات الإسلامية و سواها من الأطر السياسية القومية والوطنية العربية على حد فلسطين وأولويتها الحاسمة في وعي الشارع العربي والنهوض القادم من ساحات القدس ومدن الضفة وقراها ومن الجليل والنقب وحده سيكون الترياق الذي يسقط الأقنعة ويحبط السموم الأميركية المنتشرة في دنيا العرب.