أعد المبعوث الأممي العربي كوفي عنان خطة جديدة لتسوية الأزمة في سورية. تتضمن الخطة اقتراحاً بتشكيل “مجموعة اتصال” مهمتها وضع سيناريو حل وسط لانتقال السلطة في هذا البلد. وستتألف المجموعة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي واللاعبين الإقليميين الرئيسيين الذين يتمتعون بنفوذ لدى المعارضة السورية والنظام في دمشق، أي كلا من السعودية وقطر وتركيا وإيران. ولقد ظهرت المبادرة الجديدة إلى الوجود بعد أن انهارت عمليا الخطة السلمية السابقة، واستؤنفت العمليات العسكرية بين القوات الحكومية وفصائل خصوم النظام.
يتلخص جوهر مقترحات عنان باستخدام آلية مجموعة الاتصال لوضع سيناريو للتسوية تقبله القوى الخارجية جميعا، وبالدرجة الأولى روسيا التي يعول بهذه الطريقة على ضمان مساندتها لقرارات صارمة يتخذها مجلس الأمن الدولي حول سورية. أما خطة عنان السابقة التي حظيت بموافقة الغرب وروسيا، فقد تبين أنها غير قابلة للتنفيذ. ويعود ذلك بقدر كبير إلى التخريب الذي مارسته الأنظمة الملكية في الخليج التي تواصل دعم وتسليح التشكيلات المعادية للحكومة في سورية.
وأهم ما يميز الخطة السلمية الجديدة عن سابقتها هو أنها لا تقتصر على دعوة طرفي النزاع إلى الحوار، بل تقترح آلية لانتقال السلطة في سورية عبر تنحي بشار الأسد، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وإقرار دستور جديد. وسيتعين على الأسد وفق الخطة مغادرة سورية مقابل منحه الحصانة وعدم ملاحقته بسبب جرائم الحرب التي تتهمه المعارضة بارتكابها. وقد يمنح اللجوء له ولأسرته في روسيا او إيران.
وفي هذا الشأن يعتقد المراقبون أن الرئيس السوري لن يوافق على الخطة المذكورة. ويعزون ذلك إلى سبب جوهري يتعدى موقفه الشخصي وموقف المحيطين به. ويتلخص هذا السبب بمخاوف مواطنين يترواح عددهم بين أربعة وخمسة ملايين سوري من العلويين، والدروز، والمسيحيين، وفئات من السنة أيضا ، يرتبط أمنهم ومستقبلهم بالنظام الحالي. وهؤلاء على علم بما جرى في ليبيا من تنكيل بأنصار القذافي، ولم يعد سراً اليوم أن العديد من المسلحين الذي حاربوا هناك انتقلوا إلى سورية. وبذلك لم يبق للمواطنين السوريين الخائفين على مستقبلهم إلا القتال حتى النهاية.
ويلفت المراقبون إلى أن سورية تنتظرها حرب أهلية إذا فشلت جهود عنان الرامية لإحلال السلام. ومن المرجح أن هذه الحرب ستكون طويلة الأمد لأن الجيش وأجهزة الأمن وأغلبية الشعب لا تزال تؤيد الأسد. وتعلن البلدان الغربية أنها غير مستعدة للقيام في سورية بعملية عسكرية واسعة النطاق على غرار العملية التي نفذتها في ليبيا، وهذا يعني أنها ستحاول استنزاف النظام عبر حرب عصابات قد تستمر سنين عديدة.
تبدو الأزمة السورية أشبه بالحرب في أفغانستان، حيث كان “المجاهدون الأفغان” على حافة الانهيار التام عدة مرات. واستطاعوا في كل مرة استعادة قواهم بفضل تدفق الأموال والمقاتلين من الخارج. وأصبح واضحاً للعيان الآن أن خصوم النظام سيواصلون زعزعته بعناد ومنهجية، على غرار ما جرى لنظام نجيب الله في أفغانستان دون الالتفات إلى الضحايا من السوريين البسطاء.
ومما يدل على أن سقوط ضحايا جدد لن يطول انتظاره تلك الأحداث التي شهدتها محافظة حماه حيث قتل يوم الأربعاء 78 من السكان المسالمين نصفهم من الأطفال والنساء. من ناحيتها اتهمت المعارضة أنصار الأسد وأجهزته الأمنية بذلك غير ان المراقبين يتساءلون متعجبين كيف يمكن لنظام دمشق أن يتصرف على نحو يصب الماء في طواحين أعدائه؟
وفيما يتعلق بروسيا والصين، فما زالتا تتمسكان بمواقفهما السابقة بالرغم مما يمارس عليهما من ضغوط. وجاء في البيان المشترك الصادر عن أعمال قمة منظمة شانغهاي للتعاون التي عقدت في بكين أن أعضاء المنظمة يدعمون إجراء حوار داخلي واسع في سورية، ويعارضون التدخل العسكري الخارجي أو فرض انتقال السلطة من الخارج.
نيزافيسيمايا غازيتا
الكاتب: نيقولاي سوركوف