يعتبر التطور الحاصل في المواجهة بعد 10 فبراير الماضي حين أسقطت سوريا طائرة الـ”إف 16″ الإسرائيلية فوق الجليل تغييرا في مجرى الصراع، حيث كانت الرسالة الأولى من نوعها على هذا الصعيد، بعد بدء الحرب على الساحة السورية.
اعتبر الكاتب مهران غطروف في مقال نشره مركز “كاتيخون” للدراسات أنه يمكن “تصنيف مراحل العدوان إلى أربعة مراحل أساسية منذ بداية الحرب التي عصفت بسوريا، والتي يبدو أن جميعها سقطت حتى الآن، ولم يحقق الهدف الذي قام لأجله”.
ورأى أن هذه المراحل تمثلت على الشكل التالي:
“المرحلة الأولى: هي مرحلة قصيرة نسبيا بالنسبة لعمر الحرب التي دخلت عامها الثامن، وهي مرحلة انتهاج الفوضى وصولا للتدمير الذاتي، عبر ركوب موجة الحراك الشعبي، التي عمت معظم جمهوريات شمالي إفريقيا والشرق الأوسط، تحت مسمى الربيع العربي، سرعان ما سقط القناع عنها، لسبب تعريتها من قبل الدولة السورية، ما عجل تحول الحراك للعمل المسلح من قبل داعميه.
— المرحلة الثانية: هي المرحلة التي بدأ فيها ظهور الإرهاب والتطرف والحركات والتنظيمات الإسلاموية، على خلفياتها وتمويلاتها وتبعاتها المتعددة لجهات أطراف العدوان المعروفة على سوريا، والتي جاء تشكيل تنظيم “داعش” تتويجا لها كمرحلة ذهبية من التطرف والإرهاب غير المسبوق في منطقة الشرق الأوسط.
— المرحلة الثالثة: هي الانتقال لمرحلة التدخل الدولي وتشكيل ما يعرف بمجموعة أصدقاء الشعب السوري، تبعه تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بحجة محاربة داعش، والبدء بالوجود الميداني عبر عدة قواعد عسكرية، شكلت خطوط دعم مباشرة للجماعات الإرهابية، كمحاولة لِلجم التقدم الميداني الذي بدأه الجيش السوري وحلفاؤه. مع استمرار مواصلة الضغط على القيادة السورية بملف الأسلحة الكيميائية المزعوم، والاتهامات المفبركة والمتتالية لاسطوانة استخدامها ضد المدنين مع تعالي التهديدات، وصولا إلى شن عدوان ثلاثي على دمشق بتاريخ 14 أبريل الفائت.
— المرحلة الرابعة: هي مرحلة التدخل الإسرائيلي في الساحة السورية، غير المباشر عبر الدعم المفتوح للتنظيمات الإرهابية، التي شكلت خلال السبع سنوات الماضية جيش “لحدي” بامتياز، على خط فصل القوات عام 1974، والمباشر عبر الغارات والقصف لمواقع سورية ومواقع بعض الحلفاء، على حد الزعم الإسرائيلي نفسه، والتي كان آخرها الاعتداء على منطقة الكسوة في 9 مايو الحالي”.
وتابع الكاتب “لكن التطور الحاصل في المواجهة بعد 10 فبراير الماضي، تاريخ إسقاط طائرة الـ”إف 16” الإسرائيلية فوق الجليل، غير مجرى الصراع تماما حيث كانت الرسالة الأولى من نوعها على هذا الصعيد، بعد بدء الحرب على الساحة السورية.
وأضاف الكاتب أن هذا شكل مرحلة جديدة عنوانها الانتقال من حالة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، شكل حجر أساس هذه المرحلة ما جاء في بيان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في 18 يناير الماضي، بتصريحه حول استعادة الدفاعات الجوية لقوتها الكاملة، وجهوزيتها لإسقاط الأهداف المعادية في السماء السورية.
وأردف الكاتب “هذا الأمر شكل عبئا حقيقيا لجهة أطراف العدوان (وخاصة الإسرائيلي) الذي لم يدخر جهدا في سبيل إضعاف الدولة السورية، فسقوطها يؤمن له أبدية البقاء، ما دفعه لرفع السقف عاليا جدا، بعد تأكده من حقيقة الجاهزية التي أبدتها الدفعات السورية عبر إسقاط طائرة “إف 16″ وما أسس له ذلك من خسارة تفوقه الجوي في المنطقة”.
وأكد الكاتب أن “سقوط فكرة محاولة التدمير الذاتي كعدوان أول، نتيجة استيعاب الدولة السورية للواقع المستجد، وتفويت الفرصة على مبرمجيه، وسقوط استخدام الإرهاب كعدوان ثاني، نتيجة الانهيارات المتتالية في البنية الإرهابية التي أعقبت تحرير الغوطة الشرقية خاصة، بالإضافة لسقوط العدوان الثلاثي المحدود كعدوان ثالث، نتيجة لعدم تحقيق أهدافه في تحجيم القدرة العسكرية للدولة السورية، دفع إسرائيل لمواصلة التحرش عبر الاستهدافات الصاروخية لعدة مواقع ضمن الأرض السورية، تحت ذريعة تقليص الوجود الإيراني في سورية”.
وأشار الكاتب إلى أن رغبة إسرائيل في توريط أمريكا مجددا، في حرب شبه شاملة ضد إيران وحلفائها، خاصة بعد تبنيها وتسوقيها لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران 8 مايو الجاري، ما دفعها للاستثمار المباشر في ذلك، عبر توجيه ضربات صاروخية لمواقع في منطقة الكسوة، بعد ساعات من إعلان ترامب هذا الانسحاب، تصدت لها الدفاعات الجوية السورية بإسقاطها مباشرة، كما حال معظم الاعتداءات التي سبقتها، على وجه الخصوص، بعد إسقاط طائرة “اف 16”.
وأضاف الكاتب “وصولا للساعات الخمس الأولى من يوم 10 مايو الجاري، حيث جاء سقوط فكرة العدوان الإسرائيلي، كعدوان رابع وأخير على سورية خلال عمر الحرب هذه، نتيجة الرد غير المتوقع من قبل الدفاعات الجوية السورية، التي أمطرت المواقع الإسرائيلية في الجولان المحتل بعشرات الصواريخ، لتكون بذلك أكبر مواجهة مباشرة في هذه الجبهة بعد حرب 6 أكتوبر عام 1973، وبغض النظر عن عشرات الصواريخ التي أطلقتها الطائرات الإسرائيلية عقب الرد السوري في محاولة بائسة منها، لتثبيت معادلات الصراع القائمة، على ما هي عليه، ولكن يبدو دونما جدوى”.
فكان بذلك يوم 10 مايو، هو يوم سقوط العدوان الرابع والأخير على سورية بلا منازع، وهو آخر شكل ووجه للحرب التي فرضت على الدولة السورية، خلال سنين الحرب كاملة.
وختم الكاتب “جميع الفرضيات والخيارات عملانيا تكون قد جربت من قبل أطراف العدوان، بكافة تشكيلاته وهيئاته ولبوساته وظهوراته، بدءا من الفوضى الخلاقة وصولا للتهديد بحرب شاملة، أطفأت الدفاعات الجوية السورية النيران الإسرائيلية في المواجهة الأخيرة، بعد أن كانت المنطقة تعيش تجليات الحرب العالمية الثالثة بشكل غير مباشر، فهي بحسب تعبير الرئيس بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع صحيفة “كاثيمرني” اليونانية، والتي نشرت في صباح يوم المواجهة ذاته 10 مايو الجاري، بقوله:
“قد لا تكون حربا عالمية ثالثة مكتملة الأركان، لكنها حرب عالمية، ربما بطريقة مختلفة، ليست كالحربين الأولى والثانية، قد لا تكون حربا نووية، لكنها بالتأكيد ليست حربا باردة، إنها أكثر من حرب باردة وأقل من حرب مكتملة الأركان”.
سيريان تلغراف