هل يعدّ إيقاف التمويل الأمريكي لـ “الخوذ البيضاء” إخفاقا “للخوذ” عقب فبركة الهجوم الكيميائي في دوما أم على العكس، يعدّ توسيعا لنطاق المبادرات والتفكير في أساليب أكثر إبداعا في استفزازات مشابهة؟
لقد أسس “الخوذ البيضاء” عميل “سابق” لأجهزة المخابرات البريطانية، وهي منظمة يأتي تمويلها بنسبة الثلث من الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تحصل على التمويلات الباقية من بريطانيا وهولندا وصناديق وتبرعات خاصة، وربما من المخابرات الأمريكية وأجهزة مخابراتية تابعة لدول مجاورة لسوريا.
هناك العديد من التفسيرات لذلك الخبر، من الممكن أن يكون بعضها صحيح. فمن الممكن أن تكون “الخوذ البيضاء” قد وقعت ضحية لحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ترشيد النفقات الخاصة بالتدخل في الشأن السوري وتحويل تلك النفقات على حساب “الحلفاء الصغار”، ما يعني أنه يتعيّن على “الخوذ البيضاء” أن تنتظر بعض الوقت لتنسيق الأمور البيروقراطية ثم تعود التمويلات للتدفق إلى حسابات المنظمة ولكن من عواصم أخرى.
من الممكن أنه لم يعد هناك أماكن يمكن لـ “الخوذ البيضاء” أن تعمل فيها من دون التنسيق الوثيق والعلني مع إرهابيين عقب استسلام جبهة الرستن في سوريا، والمعلوم أن الولايات المتحدة تريد أن تتجنب الإعلان عن وظيفة “الخوذ البيضاء” كهمزة وصل بين الأجهزة المخابراتية للدول الأنغلوساكسونية والتنظيمات الإرهابية، ما يمكن أن يلطخ سمعة جميع المتورطين حتى في أعين جمهور المواطنين الغربيين المغيبين، لذلك تفضل الولايات المتحدة الأمريكية أن تظل قنوات التمويل في الخفاء.
من الممكن أيضا وهو أمر بعيد الاحتمال أن يكون الغرب بذلك يعترف ضمنيا بانتصار الأسد، وسوف يتوقف عن الاستفزازات التي أنشأت من أجلها “الخوذ البيضاء”، وتركز تواجدها في مناطق النفوذ بسوريا. وهنا تجدر الإشارة إلى أسباب ذلك من التفوق الذي حققه الأسد، والاحتكاك بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الاتفاقيات الأخيرة بين كل من إيران وروسيا وتركيا، والتي حددت أنشطة “الخوذ البيضاء” لتشمل فقط مناطق النفوذ التركي في سوريا.
من وجهة نظري فإن كل تلك الأسباب مجتمعة، وكل التفسيرات المحتملة لتوقف تمويل الولايات المتحدة لتلك المنظمة يمكن أن تحمل شيئا من المنطق، لكنني لا أظن أن تظل “الخوذ البيضاء” بلا تمويل في الفترة القصيرة المقبلة. فعلى الرغم من اتضاح أنشطتها وأوضاعها المشبوهة، إلا أنها تظل أداة شديدة الأهمية في يد الغرب، وأظن أن “هجمات الأسد الكيميائية” سوف تتكرر مجددا أكثر من مرة، حينما تزداد حاجة الغرب الملحة إليها، وخاصة حينما يصدر القرار في واشنطن بالتصعيد ضد إيران. فأي سبب للعدوان ضد إيران ساعتها يمكن أن يكون أفضل من سيناريو الهجمات الكيميائية الاستفزازية الواسعة في سوريا التي تدعمها طهران ويقع ضحيتها كثير من الأبرياء، ما يمكن أن يشكّل سببا وجيها لإطلاق الصواريخ وبدء الغارات.
لذلك فإن شكاوى رائد الصالح بشأن توقف التمويلات هو فصل من فصول مسرحية “الهجمات الكيميائية“، سوف تعود تمويلاته، وسوف تكون أموره على ما يرام حتى عودة السلام إلى سوريا.
سيريان تلغراف