Site icon سيريان تلغراف

لماذا يشكل الأطفال غالبية الخارجين من الغوطة

يقف محمد ذو الـ24 عاما بالقرب من زوجته بانتظار وسيلة تقلهم إلى مركز الإيواء بعد أن خرجوا من القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية، يراقبها وهي تطلب من المارة أن يأمنوا لها وسيلة نقل سريعة خارج المعبر، سيما وأنها حامل بشهرها الأخير ويمكن أن تلد في أية لحظة.

محمد طالب جامعي توقف عن الذهاب إلى كليته بسبب وجوده داخل الغوطة، حيث منعته الأحداث منذ 3 سنوات من الخروج، يكتفي بالنظر إلى زوجته وغيرها من الأمهات اللاتي حملن أطفالهن الرضع بانتظار الفرج.

يقول محمد، “تزوجت من مها عام 2017 في سقبا وخصص والدي غرفة لنسكن بها أنا وزوجتي، واليوم ننتظر مولودنا الأول، ونتمنى أن تكون صحته جيدة، على الرغم مما قد شهدناه خلال الفترة الماضية من ضعف في الطعام والمواد الطبية، وكنّا نتغذى على مادة الشعير واللبن في ظل احتكار المسلحين للمواد الغذائية.

آلاف مؤلفة خرجوا من بلدات وقرى الغوطة الشرقية طالبين الخلاص من حرب مهولة على حد وصفهم، خرجوا باحثين عن مآوى عن طعام وشراب بعيدا عن الاحتكار والاعتداء عليهم من قبل أشخاص قالوا في السابق أنهم موجودين بالغوطة لحماية المدنيين، الأمر الذي اختلف كليا عند بدء العملية العسكرية البرية في الغوطة، حيث بات من يحميهم، يستخدمهم للبقاء.

لم يكن من المتوقع خروج كل هذه الأعداد، فلم تعد الحافلات تستطيع تأمين الجميع بذات السرعة المطلوبة، حيث سجل خروج أكثر من 40 ألف مدني منذ يوم الأربعاء الماضي ولا زالت الأعداد في تزايد عند معبر حمورية — بيت سوى، علما أن معبر آخر كانت الحكومة قد خصصته لخروج المدنيين خلف مبنى الموارد المائية بحرستا.

وتشير مها (18 عاما) أنها تزوجت بعد أن “أتى نصيبها” لاسيما بعد توقف دراستها الثانوية داخل الغوطة، وتؤكد أنها لم تتعرض للضغط من قبل أهلها بل كان الزواج عن قناعة تامة، وأوضحت أن الحياة يجب أن تستمر رغم كل الظروف التي مرّوا بها، “ومن سيعيش أو يموت مرتبط بقضاء الله لا بأفعال البشر”.

والتقى مراسل “سبوتنيك” عند معبر حمورية — بيت سوى مع ماريا (23 عاما) التي بينت أنها وضعت طفلها في الثامن من آذار الجاري وبطريقة “قيصرية” وذلك بمساعدة أحد الأطباء الموجودين في بلدتها سقبا.

وتتابع، تألمت كثيرا بفعل الولادة المتعثرة لكن بفضل الله استطعت إنجاب ابنتي الثانية وهي الأن بصحة جيدة، لكنّي لا أزال أعاني من الجرح الذي لم يشفى بعد بسبب التنقل والخروج إلى المعبر حيث نتواجد الآن.

وتشير نظريات علم السكان الطبيعية أنه كلما تحسنت موارد الغذاء المتاحة للإنسان كلما ابطأت الزيادة في نمو أعدادهم، وفي كل المجتمعات بحسب نظرية توماس دبلداي، فإن الفقر يشجع على الخصوبة بينما الأغنياء الذين ينعمون بكفاية الموارد فتكون أعدادهم بتناقص مستمر بينما تستقر الأعداد في الطبقات الوسطى داخل المجتمع.

بينما يشير هربرت سبنسر، في نظريته السكانية أن الإنسان كلما خصص وقتا من الجهد للتنمية الشخصية والعلمية كلما ضعف اهتمامه بالتكاثر.

ويقول أحد المدنيين المنتظرين الذهاب إلى مركز الإيواء، أن الحياة داخل الغوطة باتت سيئة لاسيما بعد ضعف المورد الأساسي لسكان الغوطة وهي الزراعة نتيجة الاشتباكات المتكررة، إلا أنه يشير أن عدد عمله وأبيه وأخيه وأولاده كان يأتيهم بالقليل من الرزق الذي يتيح لهم البقاء على قيد الحياة.

فيما يوضح أن العدد الكبير لأفراد العائلة الواحدة تعود إلى ضرورة الأفراد في المشاركة بالزراعة من البذر وحتى الحصاد، حيث لا يمكن أن يستأجروا عمالا وذلك بسبب ارتفاع الأجور.

وتميل المجتمعات التي تعتمد على الزراعة بحسب النظريات السكانية المعتمدة على المنطق الاجتماعي أن الأفراد يتوالدون أكثر لضمان وجود العمال الزراعيين والحصول على مواردهم، فيما تبين أن الحروب والمشكلات السكانية التي تضعف الزراعة تودى إلى زيادة نسبة الولادات وذلك للحفاظ على النسل أو ضمان البقاء.

ويشير اختصاصيّ في علم السكان أن الظروف الطبيعية ساعدت على زيادة نسبة الولادات، كما الظروف الاجتماعية التي لعبت دورا في مشاهدة الألاف من الأطفال ممن هم بعمر  السنة وحتى الست سنوات عند المعبر الواصل بين الغوطة الشرقية ومراكز الإيواء.

وتجدر الإشارة أن كل الذين دهشوا عند رؤية الأطفال وتسائلوا عن كيفية استطاعة من كانوا داخل الغوطة بالإنجاب فإن البقاء والاستمرارية كانت الطاغية على جميع الجوانب غير آبهين بما ستحمله الأيام على الجميع.

ينظر محمد إلى مها في ختام حديثه ضاحكا بعد سؤاله إن كان سيتزوج مرة ثانية، ليؤكد أن قدر الله هو الذي ستحقق قبل كل شيء، مشددا أنه سيبقى محبا لزوجته إلى الأبد ورغم كل الظروف.

سيريان تلغراف

Exit mobile version