رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي أُطلِقت في الأساس لتقف ضد الاكتئاب والتعاسة، إلا أن بعضا من آثارها الجانبية، هي أنها تجلب الأشياء ذاتها التي كان يفترض أن تمنعها، خاصة بالنسبة للمراهقين.
علاوة على ذلك، مازال الرصد جاريا لهزات ارتدادية أخرى ربما تلم بنفسية الجيل الرقمي.
خلال السنوات الأخيرة، زاد — بشكل كبير — الوقت الذي يقضيه الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يطرح احتمالية وجود رابط بين ذلك وما يطرأ على الصحة العقلية من أمراض مثل زيادة القلق والاكتئاب وعدم الاتزان العقلي بين الشباب.
هذا ما لاحظته الباحثة السويدية دكتور سيسيلا ناتلي من معهد كارولينسكا، خلال لقاء مع التلفزيون الفنلندي.
وبحسب ناتلي، فإن الشباب الأمريكي مثلا، يقضي الآن نحو 9 ساعات يوميا عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، وهو أعلى من المستويات التي يوصي بها الخبراء.
وتقول الباحثة: “بعد ساعتين فقط، يزداد خطر الإصابة بالاكتئاب، في حين أنه بعد قضاء 5 ساعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي — تتجه المؤشرات إلى معدل انتحار أعلى” فيما شددت على الحاجة إلى إجراء مزيد من البحث بشأن تلك المسألة.
الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أمر مقلق بشكل خاص، نظرا إلى أن الدماغ البشري يأخذ في التطور حتى بلوغ سن الخامسة والعشرين، مع وجود أجزاء بالمخ تتحكم في التأمل الذاتي والتفكير العقلاني. هذه الأجزاء تنضج بين سني الثالثة عشرة والتاسعة عشرة، من خلال بنيات تطور أعمق تتحكم في العواطف والدوافع والحوافز.
معظم وسائط التواصل الاجتماعي تعتمد على الصورة، وهي التي تحفز — على الفور — آلية تفاعل داخل الدماغ، ويبدو أنها تكون أقوى لدى النساء. فمثلا، حينما ترى امرأة صورة لجسد امرأة أخرى قريبة مما يعتبر الجسد المثالي بحسب معايير المجتمع، فإن ذلك ينشط أجزاء المخ المرتبطة بتقدير الذات، والقلق، ما يدفع في أغلب الأحيان إلى مقارنة سلبية وغير مواتية، تتولد عنها عواقب سيئة.
ووفقا ل “ناتلي”، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت ثورة في طريقة النظر إلى العلاقات، حيث زودت المستخدمين بأدوات لقياس درجة تقدير العالم الخارجي. سابقا، كان هذا التقييم يعتمد فقط على التفاعل الاجتماعي الذي يتجلى في أشكال من الابتسامات والإيماءات الخفية. أما الآن، فقد انتقل هذا إلى وسائط بديلة، إلى جانب قطع أي ارتباط مع العالم الحيوي الواقعي، حتى لا يصبح أمامك سوى إحصاء مرات الإعجاب، أو حتى الاستهجان.”
كل هذا يؤدي إلى أن يسعى الناس محمومين إلى تحصيل مزيد من التأكيد — من قبل أشخاص بعيدين عن دائرتهم الاجتماعية الأصلية، كالاصدقاء والعائلة.
وكنتيجة لذلك، يبدأ الأشخاص في الحكم على أنفسهم من حيث الكم فقط، بدلا من الاعتماد على مؤشرات واقعية حيوية، أوبديهية، أو نماذج نوعية. مشكلة أخرى ترتبط بذلك، هي زيادة التركيز على المظهر، رغم أنه وراثي وأشبه باليانصيب الجيني.
الباحثة شددت أيضا على أنه ربما يكون من الصعب على الشباب أن يتعاملوا مع آليات ونظم تلك المنصات الاجتماعية. فإذا نشر شخص ما صورة له مثلا ليجني قليلا من مشاركات الإعجاب، ربما يقع تحت تأثير إحساس ما بأنه غير محبوب أو ليس مرغوبا فيه، رغم أن السبب الواضح قد يكون عدم رؤية أحد لهذه الصورة.
ومع أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي اتسم بميزات لا يمكن إنكارها، كفرص الاتصال مع أشخاص عديدين عبر أنحاء العالم يشاركوننا الاهتمامات، فإن تلك الوسائل أيضا تحوي ما يبعث على إدمانها.
كما قالت ناتلي “إن الأبحاث أوضحت أن مزيدا من الأشخاص يقضون مزيدا من الوقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما يرغبون. لا يمكنك مقاومة ذلك.”
في الوقت ذاته بينت الأبحاث أن جيل الهواتف الذكية ينامون وقتا أقل من الأجيال السابقة، فيما يرتبط نقص النوم أيضا بزيادة مخاطر الإصابة بالاكتئاب.
سيريان تلغراف