دائماً كانت الولايات المتحدة، ولا سيما عبر صحافتها ومراكز أبحاثها، تخفي الأسباب الحقيقية لفشل سياستها وتقهقر مكانتها، وكانت دائماً تقدّم فشلها وتقهقرها برغبتها الذاتية عدم الخوض في صراعات لا تعكس قوة المصالح الأمريكية، ولم تسلّم مرة واحدة، بأنّ هذه التراجعات والفشل لها صلة بحدود القوة الأمريكية وتوازن القوى القائم في ساحات المواجهة.
رأى الكاتب حميدي العبد لله في مقال نشرته جريدة “البناء” اللبنانية تحدث فيه عن تقرير نشره الأمريكي ماكس بوت، (خبير في العلاقات الخارجية الأمريكية)، أنه عندما قرّرت أمريكا الانسحاب من العراق بعد فشل غزوها وتكبّدها خسائر كبيرة، قدّمت الانسحاب الذي تمّ عام 2011 على أنه رغبة أمريكية بعد انتهاء المهمة وانتفاء الحاجة. علماً أنّ السجال في مراكز الأبحاث وعلى مستوى الإعلام، وحتى داخل الكونغرس الأمريكي الذي يعبّر عنه تشكيل لجنة بيكر- هاملتون، التي صاغت اقتراحات للخروج من العراق، تضمّنت أولاً اعترافات بحدود القوة الأمريكية، وثانياً وضعت استراتيجية للخروج توحي بتقهقر وتراجع القوة والقدرة الأمريكية. ولكن باستثناء هذه المحاولة كانت الإدارات الأمريكية ووسائل الإعلام الأمريكية دائماً تتحدّث عن تراجع وفشل وتقهقر السياسة الأمريكية بسبب نقص الإرادة والتصميم على خوض الصراع أكثر منه إقراراً بحدود القوة الأمريكية وتوازن القوى الميداني مع الخصوم والأعداء.
وأوضح الكاتب العبد لله أن ماكس بوت الذي يُعرف عنه في الولايات المتحدة بأنه “زميل رفيع المستوى لدراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي” نشر مقالاً في صحيفة “واشنطن بوست” تحت عنوان “إنقاذاً للسوريين… دعوا الأسد يخرج منتصراً” يقول فيه إنه كان في السابق من أنصار التدخل العسكري الأمريكي الواسع لدعم الجماعات المسلحة في سورية، والعمل على “إسقاط الدولة في سورية بالقوة العسكرية الأمريكية. حيث قال بوت حرفياً “مع أنني كنت على حق قبل ست سنوات أيّ في عام 2012 إلا أنني لم أعد أعتقد أنّ هذه النصيحة يمكن أن تكون منطقية الآن”. لكن لماذا؟ ليس لاعتبارات الاعتراف بخطأ أو فشل السياسة الأمريكية في سورية، بل كما يقول بوت شخصياً: “يرجع ذلك لحقيقة أنّ روسيا تدخلت في سورية عام 2015، وأنّ الولايات المتحدة لا تستطيع مهاجمة طائراتها من دون المخاطرة بنشوب حرب بينهما” هذه هي المرة الأولى التي نشهد مثل هذا الاعتراف، بل أكثر من ذلك يقول “استخدام القوة الجوية الأمريكية لمساعدة أهالي الغوطة المحاصرين قد يجعلنا نشعر بالرضا، لكنه لن ينقذ الأرواح. حتى لو تمكنا من إسقاط طائرة روسية، وهو احتمال مشكوك فيه، فإنّ “القوات الموالية للنظام”، ستلجأ ببساطة لاستخدام المدفعية، وأنظمة إطلاق الصورايخ المتعددة لإسقاط المدينة، ولن يؤدّي التدخل الأمريكي في مثل هذه الحالة إلا إلى إطالة أمد معاناة أهل الغوطة الشرقية”.
سيريان تلغراف