رفع نقل القوات الأمريكية راجمات صواريخ من طراز”HIMARS” لمعبر التنف جنوب سوريا، وحديث حلفائها هناك عن إنشاء قاعدة ثانية في منطقة الزقفة، خطر حدوث صدام دام مع الجيش السوري إلى ذروته.
وبحسب صحيفة “فزغلياد” الروسية، تبدو أسباب هذا التسرع واضحة، فبعد عدة أشهر من التحركات المتقاطعة للقوات المتنافسة في الميدان، وصلت الملحمة الى ذروتها، وارتفعت معدلات المخاطرة بشكل حاد، فالوضع الحالي في سوريا يشبه، من دون سبب للمقارنة، السباق الذي حدث في أوروبا في ربيع 1945.
فحقيقة أن الجيش الأمريكي نقل راجمات صواريخ ذات مديات رمي بعيدة من الأردن إلى معسكر التنف السوري، أكدّتها عدة وسائل إعلام استنادا إلى مصادر استخباراتية. وفقا لها، فإن هذه الراجمات (HIMARS)، ستوفر دعما كبيرا للوجود العسكري الأمريكي في جنوب سوريا.
واعتبرت وزارة الدفاع الروسية في بيان صدر عنها يوم الخميس، أن الولايات المتحدة قد تشن ضربات على وحدات من الجيش السوري باستخدام راجمات الصواريخ المذكورة. وقال البيان إن “وزارة الدفاع الروسية تتابع بدقة الوضع قرب الحدود السورية الأردنية”، موضحا أن “الولايات المتحدة قامت بنقل منظومتين لراجمات الصواريخ من طراز HIMARS من الأردن إلى القاعدة الأمريكية للعمليات الخاصة قرب بلدة التنف السورية الواقعة على بعد 18 كيلومترا من الحدود الأردنية”.
وشددت الوزارة، في هذا السياق، على أن “نشر كل نوع من الأسلحة التابعة للقوات الأجنبية، ولا سيما راجمات الصواريخ، يجب تنسيقه مع حكومة الدولة ذات السيادة”، أي مع الحكومة السورية الحالية. وأشار البيان إلى أن “مدى استخدام راجمات الصواريخ من طراز HIMARS لا يسمح بتقديم الدعم لوحدات قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وتعمل ضد إرهابيي داعش في الرقة”.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية، في هذا السياق، بأن “قوات التحالف المناهض لداعش بقيادة الولايات المتحدة سبق أن شنت مرارا ضربات على القوات الحكومية السورية، التي تعمل ضد التنظيم قرب الحدود مع الأردن”، لافتة إلى أنه “ليس من الصعب لهذا السبب الافتراض أن مثل هذه الضربات على وحدات من الجيش السوري قد تستمر لاحقا، لكن هذه المرة باستخدام راجمات الصواريخ من طراز” HIMARS “.
واختتم بيان الوزارة بالتساؤل: “ولهذا ما هي الأهداف الحقيقية التي تسعى إلى تحقيقها الولايات المتحدة في سوريا، وضد من ينوي العسكريون الأمريكيون القتال هناك حقا؟”.
ونشر الأمريكيون أول نظام من هذه الراجمات في العراق في محافظة الانبار، ثم في أفغانستان في ولاية هلمند حيث كان الحادث المأساوي الأول عن استخدامها، عندما ضرب صاروخان انطلقا منها منزلا مسالما، مما أسفر عن مقتل 12 شخصا.
في عام 2016، استخدمت الولايات المتحدة راجمات HIMARS لأول مرة ضد تنظيم “داعش” حين قامت بإطلاق عدة صواريخ من تركيا باتجاه مواقع له قرب الحدود، كما ظهرت في الآونة الأخيرة بيانات على استخدام هذه الراجمات لدعم تقدم الأكراد باتجاه “عاصمة الخلافة” في الرقة.
في الواقع، فإن هذا السلاح ليس بمثل الرهبة التي تشاع عنه، مقارنة (أو حتى أقل شأنا في القوة والقدرة) بنظيره الروسي الحديث من طراز “غراد”. فاستخدام بطاريات راجمات الصواريخ HIMARS من غير المرجح أن يفضي لتغيير جذري في الجبهة، لأن هذا ليس سلاحا من مستوى راجمات “إعصار” أو “تايفون” الروسية .
وسبق لصحيفة “فزغلياد” أن ذكرت، أن تقدم القوات السورية باتجاه معبر التنف وتعزيز تواجدها وانتشارها هناك، جرى ، بدعم من روسيا. والتحرك في اتجاه معبر التنف يعتبر بكل المقاييس حدثا استراتيجيا. ففي سوريا الآن هناك العديد من الجبهات، التي أصبحت مكانا محتملا لاصطدام المصالح العالمية بين القوى الكبرى. ويمكن في بعض الأحوال تشبيه الوضع الحالي هناك بذلك الذي كان قائما في ألمانيا في ربيع عام 945 ، عندما تسابقت الدول الحليفة للاستيلاء على النقاط الرئيسية الهامة في أراضي الرايخ الألماني الثالث( بعد اندحار جيش هتلر بفضل الجيش الأحمر)، حسبما قالت الصحيفة.
وتتابع الصحيفة : كل هذا، بالطبع، قابل للنقاش من وجهة نظر التاريخ الذي لا يميل أبدا للأخذ بشرط “إذ “وتأويلاتها. ولكن شيئا من هذا القبيل يحدث اليوم حقا في سوريا حاليا، ولكن، بطبيعة الحال، في نطاق وبحجم مختلف.
فدعم الأمريكيين لما تبقى من الوحدات العسكرية التي سبق أن أطلقت عليها تسمية “المعارضة المعتدلة” (المعروفة أيضا باسم “الجيش السوري الحر”) لا يجيز لها سوى السيطرة على أراض صغيرة الآن من دون دعم جوي أمريكي، وهؤلاء المسلحون يميلون إلى الوقوع في حالة من الذعر والاستسلام عند مهاجمتهم ويتوقون للحصول على تذكرة نقل بالحافلات إلى إدلب.
لقد تحولت محافظة إدلب وجزء صغير جدا من محافظة درعا المجاورة إلى احتياطي للعفاريت، أي للجهاديين. أما بالنسبة للأكراد فهم يسيطرون على حوالى 25% من أراضي سوريا، وهناك مزيد من المتاجرة. في نهاية المطاف، في سيناريو مناسب، يمكن لدمشق استعادة السيطرة على ما يصل إلى 65% من مساحة البلاد، الأمر الذي سيوفر أساسا لمزيد من المفاوضات بشأن الهيكل المستقبلي النهائي للدولة السورية العتيدة.
السيناريوهات الواعدة التي يدرسها التحالف بقيادة الولايات المتحدة تتحدث عن احتمال تقسيم سوريا وفصل جزء من البلاد عنها، الأمر الذي لا تقبل به دمشق ولا موسكو. لذلك تحوّل فجأة معبر التنف، هذا المعبر الصغير جدا في الصحراء، والذي يشكل في أفضل أوقاته زوجا من المباني واثنين من الدكاكين، إلى نقطة استراتيجية للسيطرة التي قد يعتمد مستقل سوريا كثيرا عليها.
ووفق هذا السيناريو وتوزع القوى هناك، فإن أنظمة الراجمات المدفعية الأمريكية في التنف لا تشكل أكثر من عملية استعراضية وليس قدرة عسكرية. لذلك استطاعت القوات الحكومية السورية اجتياح هذا القطاع بسرعة بالاعتماد على البنادق وليس على المدافع والراجمات التي يصبح تأمين المداد والذخائر لها في الصحراء العارية صعبا ومرهقا.
يبدو أن الجيش السوري لم يخطط بعد لهجوم مباشر على معبر التنف، ولكن الالتفاف من حوله في الصحراء أمر صعب.
إدارة الحرب على العالم، أوكلت لقائد سلاح مشاة البحرية، اللفتنانت جنرال ستيف تاونسند .. لذلك سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما سيحدث، ولكن خطر الاصطدام المباشر والدامي بين القوات الحكومية السورية والأمريكيين يزداد بشكل كبير ومضطرد. ومن الممكن أن الكثير سيتوقف على مدى قدرة مراكز السيطرة الروسية على الاتصال مباشرة بالجنرال تاونسند وموظفيه.
هناك دليل واضح على أن الاتصال اللفظي مع الأمريكيين في معبر التنف قائم وثابت. ولكن في النهاية الزخم السياسي قد يتفوق على الاعتبارات البراغماتية ومدياتها.
سيريان تلغراف