ذكرت صحيفة “كوميرسانت” أن معارضي الرئيس الأسد لا يساندون خطة السلام، التي وضعتها روسيا، تركيا وإيران.
جاء في المقال:
يستعد مجلس الأمن للنظر في مشروع قرار قدمته موسكو لدعم مذكرة التفاهم بشأن إنشاء مناطق تخفيف التوتر في سوريا، والتي وقعتها في أستانا روسيا، تركيا وإيران، فيما يجري الالتزام بنظام وقف إطلاق النار بعد التوصل إلى اتفاق بذلك يوم 04 مايو/أيار الماضي. وبسعيها لوضع صيغة هدنة فعالة، تريد موسكو أن تتجاوز عملية السلام نقطة اللاعودة، وأن تحظى بتأييد المجتمع الدولي. ولتحقيق هذه المهمة يُفتتح اليوم في جنيف لقاء دوري مخصص للتشاور بين الفرقاء السوريين تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة. ولكن هناك العديد من الأخطار المحدقة، على طريق تنفيذ مضمون المذكرة الموقعة في أستانا، وأهمها – عدم رغبة جزء من المعارضة السورية بالانضمام إليها، خشية تقسيم البلاد المقبل إلى مناطق نفوذ بين موسكو، أنقرة وطهران.
وقد علق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس 15 مايو/أيار، لأول مرة بالتفصيل على مذكرة إنشاء مناطق تخفيف التوتر في سوريا، وقال في مؤتمره الصحافي في ختام منتدى “حزام واحد – طريق واحد” ببكين: “آمل أن يكون هذا أداة فعالة، وبخاصة للحفاظ على وقف إطلاق النار، وإن أهم شيء في هذه المرحلة هو توطيد وقف إطلاق النار وتعزيزه، وعلى أساس ذلك تهيئة الظروف لتحقيق المصالحة، وبالتالي إنجاز التسوية السياسية”.
تصريح الرئيس الروسي هذا، والذي ربط مباشرة بين موضوع إنشاء مناطق تخفيف التوتر وإعادة إطلاق عملية التسوية السياسية في أسرع وقت ممكن، جاء عشية افتتاح لقاء الحوار الدوري في جنيف، حيث شكلت المذكرة حول مناطق تخفيف التوتر أساسا لاستمرار الحوار بين دمشق والمعارضة المسلحة تحت رعاية الأمم المتحدة، ومن دون أن يعني ذلك وقف الجيش العربي السوري والقوة الجو-فضائية الروسية محاربة التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” و “جبهة النصرة”.
وعلى هذه الخلفية، كان تصريح مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا تأكيدا لـ “توافق” الفكرة الروسية والأميركية بشأن مناطق تخفيف التوتر في سوريا، كما جاء في مقابلة له مع صحيفة “كورييري ديلا سيرا”.
من جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقابلة له مع القناة الأولى الروسية، إن المذكرة الموقعة في أستانا تشكل استمرارا للمبادرة، التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مباشرة بعد اعتلائه سدة الرئاسة.
ونظرا إلى تقارب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن حول هذه المسألة، فإن روسيا تأمل بأن يلقى مشروع قرارها الداعم للمذكرة ترحيبا ودعما دوليا واسعا.
بيد أن تنفيذ مذكرة أستانا، التي يُفترض تنفيذها خلال مدة ستة أشهر، قد يصطدم بعقبات خطيرة، أشار إليها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي أعرب عن شكوكه بشأن “إمكانية وقف إطلاق النار من جانب المعارضة المسلحة والالتزام بالهدنة”.
وعلى الرغم من أن حدود هذه المناطق لم تحدد حتى الآن بعد بشكل دقيق من قبل مجموعات عمل الدول الضامنة (روسيا، تركيا وإيران)، فإن جزءا من المعارضة المسلحة، التي تدعمها السعودية، لا ينوي الامتثال لتنفيذها. ورفضت هيئة المفاوضات العليا التوقيع على مذكرة تخفيف التوتر، بذريعة الأخطار، التي يمكن أن تنجم عنها في تمزيق البلاد، وتحولها إلى مناطق نفوذ. هذا بالإضافة إلى رفضها الوساطة الإيرانية، التي ينظر إليها معارضو دمشق كقوة معادية، لا لتحقيق المصالحة، وإنما للمحافظة على نظام الرئيس بشار الأسد، وكذلك زيادة وتعزيز وجودها، ووجود “حزب الله” العسكري في البلاد.
ووفقا لما يراه مدير معهد الدين والسياسة ألكسندر إيغناتينكو، فإن من الممكن جعل مذكرة أستانا أكثر قابلية للاستمرار، عبر توسيع حلقة الدول الضامنة للهدنة السورية، و”بالإضافة إلى روسيا وإيران وتركيا، يمكن أن تضم أيضا المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وبلدانا أخرى”. كما يرى إيغناتينكو أن الرقابة على مناطق تخفيف التوتر في سوريا يمكن أن تشارك فيها على سبيل المثال “جيوش الأردن ومصر وباكستان كثقل موازن لإيران، وإن مشاركة هذه الدول ستحظى بموافقة دول الخليج، وكذلك روسيا وتركيا”، – كما ذكر إيغناتينكو.
وفي الوقت نفسه، فإن مسألة دور تركيا هي أيضا إحدى العقبات، التي تحول دون تنفيذ مذكرة التفاهم. وقد قال أمس نائب رئيس وزراء تركيا فيسي كايناك لصحيفة “حريت” التركية إنهم في العاصمة الكازاخستانية عرضوا على الجيش التركي تولي الإشراف على مراعاة وقف إطلاق النار في محافظة إدلب. كما كشف المسؤول التركي عن خطط أنقرة لإقامة قاعدة عسكرية جديدة على الأراضي السورية بالقرب من مدينة الباب، إضافة إلى القاعدة الموجودة في بلدة الراعي الحدودية.
ومن الواضح أن تصريح نائب وزير الخارجية التركي يشير إلى نية أنقرة التحرك أعمق بكثير في الأراضي السورية، لكن دمشق رسميا لم تعلق بعد على ذلك، ومن المتوقع أن يكون رد فعلها سلبيا.
وإن التوتر بشأن تنفيذ مذكرة التفاهم أيضا حتمي ما بين تركيا والولايات المتحدة، اللتين تقفان على طرفي نقيض من مسألة الوجود الكردي المسلح في شمال سوريا، فهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة أداة مجربة، والأكثر فعالية لمحاربة الإسلامويين، بينما هم بالنسبة إلى تركيا إرهابيون.
وبكلمة أخرى، موسكو تعي تماما أن توقيع الاتفاق حول مناطق تخفيف التوتر هو “أسهل من تطبيقه على أرض الواقع في سوريا”، كما قال وزير الخارجية لافروف، الذي أعرب عن أمله في حال نجاح مبادرة “المناطق الآمنة”، بتوسيع تطبيقها بعد ذلك لتشمل الأرجاء السورية كافة”، – وفقا للافروف.
سيريان تلغراف