ذكرت صحيفة “فزغلياد” أن وزير الخارجية البريطاني عرض على روسيا الانضمام الى التحالف الدولي، لتأمين رحيل منظم للرئيس الأسد، مقابل ضمان مصالحها في سوريا.
جاء في المقال:
في محاولة لتغيير موقف روسيا في سوريا، يتظاهر بوريس جونسون أنه نسي موقف موسكو من التحالف الدولي، الذي تتزعمه الولايات المتحدة، ومن الرئيس السوري بشار الأسد، لهذا من الضروري تذكيره مرة أخرى:
فقد تمنى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في مقال كتبه لصحيفة “ديلي تلغراف” على روسيا الانضمام إلى التحالف الغربي لمحاربة “داعش”، وشدد على أن تساهم روسيا في تثبيت وقف حقيقي لإطلاق النار في سوريا، من أجل وضع حد لاستخدام الأسلحة الكيمياوية والبراميل المتفجرة، وكذلك من أجل إنجاز مشروع التسوية الشاملة و “تحرير” الشعب السوري من سلطة الرئيس الأسد، حسب تعبيره.
وكتب الوزير جونسون: “الروس أنقذوه، وهم قادرون على المساعدة في تأمين رحيله عبر عملية انتقالية منظمة وخاضعة للسيطرة، وتحافظ على المؤسسات الرئيسة للدولة وتجلب للبلاد الاستقرار والتعددية”.
لهذه الأغراض، تستطيع روسيا الانضمام إلى التحالف الغربي، مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، وفي الوقت نفسه تستطيع “إقامة علاقة مثمرة أكثر” مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المستقبل. كذلك الأمر، وكمكافأة لروسيا، أشار جونسون إلى أن “الغرب ومع مرور الوقت سوف يساعد في إعادة بناء البلاد”، وأنه لا يزال أمام روسيا “متسع من الوقت للوقوف على الجانب الصحيح”.
بكلمات أخرى، جونسون يحث موسكو، ومن أجل تحسين علاقاتها مع ترامب، والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، على الانضمام إلى التحالف الأمريكي، ومعا مع واشنطن – محاربة “داعش” وتأمين رحيل الأسد.
ماذا يعني ذلك، وبمَ سترد روسيا؟
أولا، إن إقامة علاقات بين روسيا والولايات المتحدة ليست في نطاق صلاحيات جونسون. وفضلا عن ذلك، فإن القائم بأعمال المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فلاديمير سافرونكوف لاحظ محقا أن البريطانيين “فقدوا النوم” خوفا من احتمال إقامة تعاون بين روسيا والولايات المتحدة. وبالفعل، فإن بريطانيا، وخاصة في فترة “بريكست”، التي تعيشها في الوقت الراهن، وضعت كل رهانها على أي شيء من شأنه أن يعزز علاقتها مع الولايات المتحدة، للاستفادة منها في لعبتها الخاصة، سواء في أوروبا أو في مناطق أخرى من العالم على حد سواء. والتقارب بين ترامب وبوتين يتعارض بشكل قاطع مع المصالح البريطانية. لهذا لا يمكن النظر إلى “اهتمام” جونسون بشأن العلاقات المثمرة بين موسكو وواشنطن، إلا من باب السخرية.
ثانيا، والأهم من ذلك كله، إن موقف روسيا من التحالف، الذي تتزعمه الولايات المتحدة معروف بشكل واضح ولا يمكن تغييره. فباراك أوباما أعلن عن تشكيل تحالف لمحاربة “داعش” يوم 10/09/2014 عشية الذكرى الـ 13 لأحداث الحادي عشر من أيلول. وفي هذا العام وصلت نجاحات “داعش” في سوريا والعراق إلى ذلك المستوى المؤثر على الأرض، بحيث كانت واشنطن مضطرة إلى القيام بأي تحرك جدي ضد هذه الظاهرة الخطيرة. وعملت واشنطن على جمع ائتلاف من دول الأطلسي والدول العربية، بدءا من بريطانيا وحتى المملكة السعودية – وكان على هذا التحالف أن ينتصر على “داعش”، حسب رؤية مصمميه.
أما بالنسبة إلى روسيا، التي أعلن باراك اوباما عن محاصرتها قبل نصف عام من ذلك، فلم تُدع إلى هذا الائتلاف – فبعد (انضمام) القرم أعلن الغرب أن روسيا تشكل تهديدا رئيسا للعالم جنبا إلى جنب مع “داعش” نفسها، وبالتالي لا يجوز دعوة شر إلى محاربة شر آخر.
وفي الواقع، فإن روسيا لو دعيت آنذاك إلى هذا التحالف، لردت على ذلك بالرفض. وذلك لأن هذا التحالف في نشأته لا يتجاوب مع مصلحة وموقف روسيا، سوريا وإيران، ولا سيما أنه يستحيل القتال ضد “داعش” من دون دعم الأسد، في بيئة يقاتل فيها أعضاء هذا التحالف ضد “داعش” وضد الأسد في آن واحد. (حتى ولو بشكل غير مباشر نسبيا، عبر دعم الإسلامويين، الذين يقاتلون ضده). لهذا، ومنذ البداية وقفت روسيا ضد إنشاء هذا التحالف. وكما قال فيتالي تشوركين في خريف عام 2014: “نحن لن ننضم إلى التحالف الذي يعمل خارج قرارات مجلس الأمن ومن دون تفويضه. ويقصفون الأراضي السورية من دون موافقة الحكومة السورية، أو تفويض من مجلس الأمن”، – كما قال المندوب الروسي السابق في الأمم المتحدة.
هذا، وقد بدأ الموقف من الأسد يتغير تدريجيا منذ عام 2016، وذلك بعد أن أصبح واضحا، ليس حصول تغيير في ميزان القوى في الحرب فحسب، بل وبعد تمكن روسيا من الاتفاق على تنسيق عملها مع تركيا، وإيران بطبيعة الحال. آنذاك وعلى الرغم من أن واشنطن لم تتخل عن المطالبة الشكلية برحيل الأسد، فإن الجميع بات يفهم أنه موضوع لم يعد قائما.
كما لم يعد أحد يردد “رحيل الأسد أولا ثم التسوية” على مدى فترة المئة يوم من تولي ترامب للسلطة في نيويورك، وفي واشنطن علنيا تحدثوا حول تفهم أن من الضروري إحراز النصر ضد “داعش” أولا، وفيما بعد الاتفاق حول مستقبل القيادة في سوريا.
ولكن الهجوم الكيماوي في إدلب والضربة الصاروخية الأمريكية لقاعدة الجيش السوري الجوية في الشعيرات، أديا الى تفجير الوضع، والعودة مرة أخرى إلى الحديث عن رفض بقاء الأسد. وفي هذه اللحظة ظهر عرض جونسون لروسيا.
فما هي الفكرة، التي يحملها عرض جونسون؟لندن تقول لموسكو: نحن نتفهم مصالحكم في سوريا، ونحن سوف نضمنها لكم، ولكن في ظل سلطة سورية جديدة يجب تشكيلها تحت رقابة منا ومنكم. ولكن من أجل ذلك، عليكم الانضمام إلى تحالفنا، واتركوا جانبا نظام “آيات الله” و “طهران ممولة الارهاب” لأنه يستحيل أن تكون موجودة في تحالف واحد مع الغرب الديمقراطي والانظمة الملكية السنية)، وفي نهاية المطاف يمكنكم أن تأتوا ببشار الأسد إليكم إلى روسيا.
غير أن روسيا ليس لديها حتى ولو سبب واحد، من أجل النظر في اقتراح جونسون. كما أن الانضمام إلى التحالف الأمريكي و”تأمين” رحيل بشار الأسد يتنافيان نهائيا مع مصلحتها الوطنية.
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع ترامب – فهنا بوتين سيجد حلا لها بطريقة ما مع ترامب، من دون “مساعدة” جونسون.
سيريان تلغراف