نشرت صحيفة “كوميرسانت” مقالا لمعلقها السياسي مكسيم يوسين، عن انهيار آمال روسيا بتحسين العلاقات مع واشنطن بسبب الأزمة السورية.
كتب مكسيم يوسين:
ان مأساة مدينة خان شيخون السورية قد تصبح سببا جديدا لتفاقم أزمة العلاقات الروسية–الأمريكية، التي هي أصلا متأزمة وتقع في أدنى مستوياتها، في حين كان يُعتقد أنها لن تسوء أكثر، وأن واشنطن وموسكو في عهد دونالد ترامب حصلتا على فرصة جيدة لكسر هذا الطوق.
ولكن الأمل في تحسن العلاقات عقب تصريحات الرئيس ترامب وأعضاء فريقه يوم 5 أبريل/نيسان الجاري، أصبح ضئيلا، وبدلا من ذلك ازداد القلق. علما أن هذا القلق لم يكن حاضرا في عهد باراك أوباما، الذي كانت مواقفه متشددة مع موسكو، بيد أنه كان يمكن التكهن بمواقفه مسبقا. أما دونالد ترامب، فخلافا لسلفه، لا يمكن التنبؤ بمواقفه أو بحدوده القصوى، ما قد يصبح في أي لحظة خطرا جدا.
فبعد الأنباء عن استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون ضد السكان المدنيين، اتخذت إدارة ترامب موقفا لا لبس فيه: الحديث يدور عن جريمة حرب اقترفها نظام بشار الأسد. فيما أعلنت موسكو أن طائرات القوة الجوية السورية هاجمت مستودعا للسلاح الكيميائي للإرهابيين في إدلب، بيد ان واشنطن تجاهلت ذلك تماما. واتهمت روسيا ومعها إيران في مساعدة “النظام الديكتاتوري”.
فقد أعلن دونالد ترامب أن مأساة خان شيخون أجبرته على “تغيير موقفه تماما” من “المسألة السورية ومن الأسد”. كما تغيرت جذريا التصريحات. فإذا كان موقفه من الأسد سابقا متسامحا، فإنه انقلب حالبا بـ 180 درجة، حيث قال: “عندما تقتلون أطفالا رضعا أبرياء بالسلاح الكيميائي، فإن ذلك يتجاوز حدودا عديدة. وإضافة إلى “الخط الأحمر” خطوطا كثيرة أخرى”. هذا ما يقال عن العدو. هكذا كانوا في واشنطن يتحدثون ولو بلهجة أهدأ عن صدام حسين قبل غزوهم العراق عام 2003.
ويذكر أن ترامب قال خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع العاهل الأردني خلال زيارة الأخير لواشنطن، ردا على سؤال: “فيما يتعلق بالجيش، فأنا لا احبذ الكشف عن وجهتنا وعم سنفعل”. أما عندما أراد أحد الصحافيين معرفة ردود الفعل الأمريكية على أحداث خان شيخون، فقد قال مستعرضا موقفا حازما “سترون ماذا سيكون ردنا”.
هذا الرد غير الواضح تماما، أوضحته ممثلة واشنطن لدى المنظمة الدولية نيكي هيلي بأنه يحصل أحيانا أن “تضطر السلطات الأمريكية إلى اتخاذ خطوات أحادية الجانب في المحافل الدولية” عندما “لا تتمكن من التوصل إلى اتفاق جماعي” بشأن هذه المشكلة أو تلك.
وعموما التلميح هنا واضح. فقد سبق للولايات المتحدة أن “اتخذت إجراءات أحادية الجانب” في المنطقة، حيث قصفت البلدان، التي كانت أنظمتها دكتاتورية – العراق، ليبيا والسودان.
ولكن الفرق هنا في سوريا، هو وجود قوات وقواعد عسكرية ودرع صاروخية الروسية فيها. فإذا قرر دونالد ترامب التصرف بتهور، في سياق منطقه في تويتر، الذي يقسم العالم إلى “جيدين” و”سيئين”، فإن ذلك قد يضع الدولتين النوويتين العظميين على حافة نزاع مسلح. في حين لم يكن هذا الأمر يخطر على بال أحد في عهد أوباما رغم مواقفه المتشددة من روسيا.
بيد أننا نأمل من دونالد ترامب كما حصل في مرات سابقة أن يكتفي بهذه التصريحات القاسية والمتشددة فقط، من دون أن يدعمها بالأفعال. ولكن إذا حاول تنفيذ أقواله، فإن بيروقراطية واشنطن، التي وعد بمحاربتها، والتي انتقدتها روسيا كثيرا في الفترة الأخيرة، لن تسمح له بذلك.
حاليا بيروقراطية واشنطن خربت عمليا العديد من مبادرات الرئيس الجديد، وقد تلعب دورا مهما في استقرار الوضع، لأنها تعرف جيدا وتدرك موقع “الخطوط الحمراء”، التي أشار إليها دونالد ترامب.
سيريان تلغراف