نشرت صحيفة “إيزفيستيا” مقالا للكاتب الصحافي سيرغي فيلاتوف يتحدث فيه عما كان ينتظر الشرق الأوسط وبلدانا أخرى عام 2015 لولا خطوة روسيا الحازمة.
كتب فيلاتوف:
أقول بصدق إنني في بعض الأحيان كنت أقوم بمحاولات للتنبؤ بالمستقبل. لذلك وافقت على مقترح إدارة “إيزفيستيا” بشأن “التنبؤ المعكوس” عما كان سيحدث لو لم تتدخل روسيا لمساعدة الحكومة السورية في نهاية عام 2015.
بعض الفرضيات عن تطور الأحداث مبنية على احتمالات تطور الأزمة السورية بالنسبة إلى الدول العظمى، والدول المجاورة لساحة الصراع. ومقارنة بمساحة روسيا الشاسعة المقسمة إلى عشر مناطق زمنية، فإن جغرافيا الحرب السورية متواضعة جدا.
وعموما، لم تأخذ أي من دول الجوار على محمل الجد عواقب “سقوط دمشق” وسيطرة “داعش”. وبعكسه، لم تكن لتصب الزيت على هذه النار. وببساطة يبدو أنها لم تدرك إلى أين ستمضي هذه المحدلة. “الخلافة” ليست شعارا. فقد كانت الخلافة عام 2015 تملك القوة والأموال، وكان لديها “حام” أمين من جانب رعاتها وملهميها. فقد نشبت “حرب جديدة بالوكالة”، كما يحب أن يتسلى “جميع أصدقاء الشرق الأوسط” في السنوات الأخيرة.
والآن، تصوروا أن “داعش” و”جبهة النصرة” يضاف إليهما المتطرفون الإسلاميون في البلدان كافة من أوروبا إلى الشرق الأوسط يقتحمون دمشق. هل تصورتم هذا من دون أن تهتز مشاعركم؟
كيف ستكون ردود أفعال إسرائيل والأردن وتركيا ولبنان والعراق والمملكة السعودية والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا؟ بالنسبة إلى إسرائيل، التي كأنها تريد إضعاف عدوتها الرئيسة – سوريا، سترى فجأة أن “الخلافة” تتطور على حدودها مباشرة، مع العواقب السلبية المحتملة كافة على مستقبل الدولة اليهودية، لعدم وجود “منطقة عازلة”.
أما الأردن، فكان سيجد نفسه في وضع صعب جدا بسبب تأييده مواقف الولايات المتحدة المعادية للرئيس الأسد، لأن أوباما أعلن في عام 2009 أن “الأسد يجب أن يرحل”. أي أن مصير الأسد قد حُدد، ولكن لم يشر أحد في واشنطن بكلمة واحدة إلى مصير المملكة الأردنية بعد ذلك.
أما تركيا فكانت تأمل أولا – ضم شمال سوريا، وثانيا – إخضاع الكرد في هذه المنطقة، وثالثا – توسيع نفوذها وتعزيزه في دول الإمبراطورية العثمانية السابقة. لذلك، فإنها رأت في تكثيف نشاطها في مجال إعداد المعارضة السورية ضمانا لبلوغ هذه الأهداف بأيديها (المعارضة). ولكن المحاولة الانقلابية في يوليو/تموز 2016 أجبرت قيادة البلاد على إعادة النظر في هذه السياسة.
في حين أن لبنان كان سيحصل في شخص جيش الخلافة على جار شرس وحاقد، قاتل ضده مسلحو “حزب الله” في سوريا. لذلك، فإن ضم لبنان إلى دولة الخلافة كان مضمونا، وخاصة أن مصطلح “داعش” يعني “الدولة الإسلامية في العراق والشام” والشام تعني (سوريا + لبنان).
أما العراق فهو البلد الذي ظهر فيه “داعش”، وإن انتصاره في سوريا، كان يعني عودته إلى مسقط رأسه والسيطرة على بغداد. وليس من الصعب تصور ما كان سيشهده العراق بعد ذلك.
من ناحية أخرى، كانت المملكة السعودية في البداية ستمرح وتفرح لأن أموالها لم تذهب عبثا. بيد أنها لم تكن لتحصل على فوائد تذكر من سيطرة “داعش” على دمشق وسوريا عموما، ولا سيما أن الكثيرين في قيادة “داعش” أعلنوا مرارا أنه “لا يحق لعائلة آل سعود الإشراف على المدينتين الإسلاميتين المقدستين – مكة والمدينة”. أي أن حملة “داعش” على السعودية كانت واضحة ومتوقعة، حتى أكثر من محاربة إسرائيل.
وبالطبع، كانت الولايات المتحدة ستفرح بهدوء: فخطة زعزعة الشرق الأوسط تنفذ، وبينما يتقاتل الجميع فيما بينهم، تحصل هي على مليارات الدولارات من العرب الخائفين. وهذا ما كان المطلوب إثباته. الفوضى في كل مكان.
بالنسبة إلى موسكو، كان سقوط دمشق وانتصار “داعش” يعني عمليا بدء “حرب بالوكالة” ضد روسيا، وخاصة أنها تحاذي آسيا الوسطى وأفغانستان، حيث لـ “داعش” جذوره العميقة. لذلك أصبح واضحا في عام 2015 أن النار السورية بدأت تحرق منطقة مصالح روسيا الحيوية.
وماذا عن باريس؟ باريس كعادتها دائما، هادئة وهانئة. لقد احتل هتلر فرنسا بكاملها خلال أربعة أسابيع، أما الإسلامويون فكانوا سيحتاجون إلى فترة أطول – لأنهم ليسوا قوات هتلر. بيد أن مصير “الباريسيين اللامبالين”، الذين تعدُّ سوريا بالنسبة إلى قيادتهم السياسية منذ عشرات السنين من ضمن أملاك مستعمراتها السابقة، كان قد حسم.
ومن المثير هنا أن البلدان، التي ورد ذكرها أعلاه، بدأت منذ أشهر تعيد النظر في سياستها تجاه موسكو، وأصبح سياسيوها كافة يريدون التعاون معها، سواء السياسيون الحاليون، أو الذين سيخلفونهم. لذلك يمكننا القول إن خطوة الجيش الروسي الحاسمة في سوريا أقامت حاجزا أمام السيناريوهات كافة، التي ورد ذكرها أعلاه.
سيريان تلغراف