تطرقت صحيفة “فزغلياد” في مقال لها للهجوم الأخير الذي شنه المسلحون في حلب، و ذكرت أنه من المحتمل أن يكون هذا الاسبوع حاسما لمجمل الوضع العسكري في المدينة.
جاء في مقال الصحيفة :
ما حدث في مدينة حلب خلال الايام الاخيرة من الصعب وصفه بكلمة اقل من ” مفرمة لحم”. في الوقت الذي كانت فيه وزارة خارجية الولايات المتحدة منشغلة بعمليات الفصل ما بين الاسلامويين عن الآخرين “المعتدلين”، توحدوا جميعهم في حلب، و نظموا أنفسهم وانطلقوا كيد واحدة في هجوم كبير لم يكن له مثيل خلال العامين الماضيين. وفي حقيقة الامر من الممكن تفهم ما أقدموا عليه، إذ من المحتمل ان يكون هذا الاسبوع حاسما لمصير عموم الوضع العسكري في المدينة.
لقد استغل المسلحون هدنة وقف اطلاق النار وتوقف الطيران الحربي الروسي عن عمليات التحليق، و نظموا في ضواحي حلب الشرقية مجموعة هجومية لم يكن لها مثيل من حيث الضخامة، جرى تشكيلها من كافة الفصائل والتنظيمات مثل “جبهة فتح الشام ـ فرع القاعدة”، “جيش الفتح”، “جند الشام”، “أحرار الشام”، “فيلق الشام”، “فتح حلب”، وبعض من وحدات ما يسمى بالجيش السوري الحر، هذا إذا كان مسموحا الحديث عن وجود مثل ها الجيش في الواقع الفعلي.
ووضعت هذه المجموعة الهجومية تحت أمرة قيادة موحدة، كما جرى تسليحها جيدا بالمقاييس المحلية، مع المحافظة على امدادها بشكل مستمر بقوى الاحتياط والعتاد الحربي، والمدفعية التي جرى استخدامها في الهجوم بكثافة شديدة وبشكل مباشر، و جرى حشد هذه المجموعة العسكرية في مكان واحد، لخوض الهجوم الاكبر والاكثر تنظيما.
اسبوعان من الهدنة الانسانية أتاحا الفرصة لإنقاذ بضع عشرات من السكان المدنيين في حلب، ولكن أدى ذلك الى افراز وضع، جعل الحرب من أجل المدينة مفرمة لحم، وكنتيجة للهجوم المركز الذي شنه “الجهاديون” تشتت قواهم ومنيت بخسائر كبيرة في الارواح.
عمل “الجهاديون” على زج قوة عسكرية كبيرة في الهجوم، أتوا بها من محافظة إدلب، وكانت ذا تسليح و تنظيم عاليين، وتتكون من الفئات المشبعة ايديولوجيا والحاقدة عقائديا. وفي المحصلة، من الصعب القول غن الجيش الحكومي تعمد استيعاب هجومهم الاول، بل كان وبكل بساطة يستحيل على الجيش الحكومي استيعاب هذه الكتلة العسكرية ـ الهجومية الضخمة.
التكتيك العسكري الذي اعتمده “الجهاديون” في هجومهم كان تكتيكا تقليديا وبسيطا للغاية.
عدة حافلات محشوة بالمتفجرات يقودها الانتحاريون الذين يفجرون أنفسهم أمام المواقع المتقدمة للجيش للحكومي، يتلوا ذلك مباشرة هجوم مركز، مما تضطر طلائع الجيش الحكومي الامامية للانسحاب أمام كثافة النيران ووطأة الهجوم المركز، و كذلك للتقليل من حجم الخسائر في الارواح.
على العموم استطاع الجيش الحكومي دون خسائر جدية في الأرواح والارض والسمعة صد الهجوم الاكبر، بل ومن المحتمل الأخير، الذي يشنه “الجهاديون” و حلفاؤهم في منطقة حلب بعمومها. كما استطاع الجيش الحكومي كسر التوازن الديناميكي الذي استتب يومي الاحد والاثنين الماضيين. ولم يعد في مقدرة “الجهاديين” تلقي تعزيزات جديدة، في حين أن القوات الحكومية تستمر في تكثيف تعزيز قواتها، و ظهرت في يوم الاحد الماضي على أرض المعركة فئات من نخبة الجيش الحكومي مثل ” النمور” و “نسور الصحراء”، وظهركذلك معهم وللمرة الاولى في هذه المنطقة الدبابة الروسية الصنع “ت ـ 90” والتي شاركت سابقا في معركة تحرير تدمر.
وهرعت أيضا لدعم الجيش السوري الحكومي وحدات عسكرية من “حزب الله” و “حركة النجباء” التي تضم متطوعين من العراق. وعملت هذه القوات سوية مع الجيش الحكومي على شن هجوم معاكس في يوم الاثنين الماضي ضد مواقع “الجهاديين”، و تمكنوا بسرعة فائقة من استعادة أكثر من نصف بلدة منيان التي تقع على الاطراف الجنوبية ـ الغربية لمدينة حلب، والتي انسحب منها الجيش الحكومي على خلفية هجوم الارهابيين المركز.
من الجدير بالملاحظة في معارك حلب الاخيرة، أن الاكراد من قوات التحالف الديمقراطي السوري، شاركوا في الحرب ضد “الجهاديين” و طردوا وحدات تنظيم “جبهة الشام” من مرتفعات الباب .
كما تجدر الاشارة أيضا ان القوة الجو ـ فضائية الروسية لم تشارك نهائيا في هذه المعارك.
على أغلب التقديرات، أن الايام القادمة ستكون حاسمة لمجمل الاوضاع في منطقة حلب، حيث ان “الجهاديين” شتتوا قواهم وتوزعوا في مواقع جديدة ومختلفة، ولا يقفون الآن في تلك المواقع العسكرية التي عملوا على تدعيمها خلال فترة الاشهر الماضية. بل ممكن الاستخلاص أن قوة “الجهاديين” العاملة في منطقة حلب على وشك النفاد في المرحلة الراهنة، كنتيجة مباشرة للهجوم المركز الذي عملوا على تنفيذه ضد الجيش الحكومي، والذي كان نتيجته أن مني “الجهاديون” بخسائر كبيرة في الارواح.
أما بشأن التضخيم الاعلامي الواسع النطاق حول نجاح هجوم “الجهاديين” ضد الجيش الحكومي، فلا صلة له بالواقع، وميزان القوة الآن لصالح الجيش الحكومي دون أي شك. وستكون لدمشق الفرصة لحسم الوضع لصالحها نهائيا في حلب خلال الايام القليلة القادمة، هذا إذا سارت الامور دون تدخل السياسة الكبيرة.
سيريان تلغراف