أكثر من 5 أعوام ونصف مرت على اندلاع الشرارة الأولى للأزمة السورية ونحن نسمع ونشاهد ونقرأ عن “المعارضة المعتدلة” في سوريا، ما هي هذه المعارضة ومن هم الذين يمثلونها سياسيا وعسكريا؟
سؤال غابت الإجابة عنه مدة نصف عقد، فشق يدعم ماديا وعسكريا ولوجستيا والحديث هنا عن الولايات المتحدة وحلفائها، فيما تعارض روسيا ذلك، منددة بدعم من يحمل السلاح ضد السلطات السورية، مشددة على أن المعارضة ليست برفع السلاح.
ولعل المتمعن في الواقع الميداني للجماعات التي تواجه، تارة، القوات السورية وطورا تتقاتل فيما بينها، ومرات أخرى تتحد ضد تنظيم “داعش”، يزيد من تعقيدات المشهد ومن صعوبة فك شيفرته.
فها هما فصيلا جند الأقصى وحركة أحرار الشام الإسلاميين، يصدران بيانين، مساء الخميس، تبادلا فيهما الاتهامات حول الأحداث الأخيرة في إدلب وشمالي سوريا، فيما تبدو الأمور ذاهبة الى التصعيد والاشتباك المسلح.
ففي بيانه، قال فصيل جند الأقصى إن حركة أحرار الشام تواصل تعدياتها واستفزازاتها في تصرفات لا يفهم منها إلا محاولة تعطيل المعركة وإيقافها، مؤكدة أن الاعتداءات ازدادت بعد انطلاق “غزوة مروان حديد” (وهو مؤسس “الطليعة المقاتلة” في جماعة “الإخوان المسلمين”).
كما ذكر الفصيل المسلح في البيان، أن حركة أحرار الشام اختطفت اثنين من عناصرها المصابين على أحد حواجز الحركة بين سراقب وجبل الزاوية، مطالبة من “عقلاء” الحركة التحرك السريع لإطلاق سراح المختطفين.
حرب ميدانية وأخرى “إعلامية”، فالرد من “أحرار الشام” جاء سريعا، حيث اتهمت الحركة “جند الأقصى” بانتمائها لـ”داعش”، مشيرة إلى أن تنظيم ما يسمى جند الأقصى، وبعد ضبط خلية مرتبطة بالرقة مباشرة، قام باختطاف أحد عناصر الحركة في سراقب وطالب بمبادلته بأحد أمنيي “داعش” المحتجزين لدى “أحرار الشام”.
وأضافت حركة أحرار الشام أن وجود الخلايا الأمنية المرتبطة بالـ”دواعش” تحت حماية “جند الأقصى” ليس بالأمر الجديد.
وأجمع الطرفان في البيانين على أن مواجهة الرصاص ستكون الفيصل لانهاء “الغلو”، حيث قال بيان “جند الاقصى” إنهم سيتوجهون لحماية أنفسهم، فيما أمهلت حركة “أحرار الشام” عدوها 24 ساعة لإخلاء سبيل المخطوفين مهددة باتخاذ ما يلزم لفك أسرهم.
وفي هذا المستوى، لابد من الإشارة إلى أن الصراع ليس جديدا فجذوره تعود إلى شهر يوليو/تموز 2016، عندما دارت اشتباكات عنيفة بين فصيل جند الأقصى وحركة أحرار الشام في بلدة أريحا بريف إدلب، على خلفية إشكال بين عناصر من الفصيلين اقتحم على إثره عناصر حركة أحرار الشام مقرات جند الأقصى.
جدير بالذكر أن العديد من الفصائل المسلحة تطلق لقب “الكراج”، أي المستودع، على “جند الأقصى”، في إشارة إلى أنه التنظيم الذي يدخل إليه العناصر أولا قبل الالتحاق بتنظيم “داعش”.
وللعلم فإن الفصيلين لطالما قاتلا معا في صف واحد في أغلب المعارك ضد الجيش السوري في ريفي حماة وادلب رغم انهما وفقا لواشنطن معتدل ومتشدد! مع التوضيح أن “الأقصى” دخلت قائمة الإرهابيين منذ مدة قصيرة وهي الآن تستعد للإعلان عن انفصالها عن القاعدة لتعود ويتغير لونها إلى المعتدل!
“جند الأقصى” و”أحرار الشام”، قطرة من فيض “المعارضة المعتدلة”، فـ”حركة نور الدين الزنكي” التابعة لـ”الجيش السوري الحر” والمدعومة من تركيا في محافظة حلب، أعلنت انضمامها إلى غرفة عمليات “جيش الفتح”، الذي تقوده “جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا)، والمعروف أن “جيش الفتح” يضم كلا من “جبهة فتح الشام”، وحركة “أحرار الشام الإسلامية”، و”أجناد الشام”، و”جيش السنة” و”فيلق الشام” و”لواء الحق” وهي جماعات تشكل أيضا “الجيش الحر”.
بيد أن هذا الخليط غير المتجانس أخذ حيزا زمنيا في “المواجهة” الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن. إلا أن خيوط الحقيقة بدأت تنكشف، فالتهرب الأمريكي من تقديم لائحة بأسماء الجماعات التي تعتبرها “معتدلة” بالإضافة إلى تقديم أسلحة وعتاد عسكري من جهات أجنبية، وهو ما أكدته وكالة “رويترز” في 28 سبتمبر/أيلول، نقلا عن مصادر في المعارضة السورية، قالت إنها حصلت على عدد كبير من صواريخ غراد من دول داعمة، وعرضت شريطا مصورا يؤكد ذلك.
ونقلت الوكالة عن القيادي في المعارضة، فارس البيوش، قوله إن دولا أجنبية زودت مقاتلي المعارضة براجمات غراد أرض- أرض من طراز لم يحصلوا عليه من قبل، مؤكدا حينها أن مقاتلي المعارضة حصلوا على “كميات ممتازة” من راجمات غراد يصل مداها إلى 22 و40 كيلومترا، وإنها سوف تستخدم في جبهات القتال بحلب وحماة والمنطقة الساحلية.
يبدو أن خريف “المعارضة المعتدلة” سيكون عسيرا في الأيام المقبلة لتتساقط أوراقها مع تراجع الغطاء الأجنبي الذي يبحث عن طريق جديد يسلكه مع صمود الجيش السوري بدعم روسي.
سيريان تلغراف | ياسين بوتيتي