تطرقت صحيفة “كوميرسانت” إلى العلاقات الروسية–الأمريكية الراهنة، مشيرة إلى أن موسكو وواشنطن قد تتحولان إلى خصمين حربيين في سوريا.
جاء في مقال الصحيفة:
أدى الفشل في تسوية الأزمة السورية إلى اندلاع أكثر النزاعات حدة بين الولايات المتحدة وروسيا منذ الحرب الباردة. وقد ساعد على تدهور العلاقات بين البلدين، بيان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي، الذي تضمن لأول مرة تهديدا لموسكو بأنها ستتكبد خسائر حربية، وستتعرض لهجمات إرهابية إذا استمرت في عملياتها العسكرية في سوريا.
كما أطلق وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري تصريحات شديدة اللهجة بشأن عمليات روسيا، ورآها “واسعة النطاق ولا محل لها” في سوريا؛ معربا عن استعداد واشنطن لوقف التعاون مع موسكو.
وقد ردت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على هذه التهديدات، بقولها إن هذه الكلمات هي دعوة إلى الإرهابيين لمحاربة روسيا.
وقد استطلعت “كوميرسانت” آراء الخبراء بشأن العلاقات الروسية–الأمريكية، فأكدوا أنها خرجت عن إطار حرب الكلمات. وبحسب قولهم، فإن هناك خطرا حقيقيا من تصاعد الصراع إلى حين تغير الإدارة الأمريكية، ومن أن يؤدي توقف التعاون بين موسكو وواشنطن في سوريا إلى تبادل الهجمات على مواقع القوى التي يعدُّها كل طرف حليفة للطرف الآخر.
وكان جون كيربي قد أعلن في إيجاز صحافي مساء يوم الأربعاء 28 سبتمبر/أيلول 2016 معلقا على استئناف القتال في سوريا بأن “نتائج استئناف القتال ستكون استمرار الحرب الأهلية”، وأن “المتطرفين سيستخدمون كالسابق الفراغ لتوسيع عملياتهم الحربية التي من دون شك ستكون موجهة ضد المصالح الروسية وقد تمس المدن الروسية”. وتنبأ في حال استمرار الحرب في سوريا بأن “تستمر روسيا بتلقي عسكرييها في أكياس وبتبديد مواردها”. كما لم يستبعد كيربي تدمير الطائرات الروسية، دون أن يوضح قصده – العسكرية أم المدنية؟
وقد أعرب نائب وزير خارجية روسيا سيرغي ريابكوف عن سخطه، مشيرا إلى أن ممثلي “الولايات المتحدة يصبون الماء على رحى الإرهابيين، ويدعمونهم على المكشوف”.
كما ردت وزارة الدفاع الروسية بشدة على هذه التصريحات، فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف أن “تصريحات جون كيربي هي اعتراف صريح للجانب الأمريكي، بأن الولايات المتحدة تتحكم بالمعارضة السورية التي تخوض الحرب الأهلية في سوريا”. وقال “نحن نعلم جيدا كم عدد “الخبراء” الذين لم يعلن عنهم في محافظة حلب، ومهمتهم تخطيط وقيادة عمليات المسلحين”.
من جانبه، قال جون كيري، الذي كان إلى فترة قريبة يعدُّ أحد أنصار الحوار مع موسكو في إدارة أوباما، إنه لا يثق بـ “جدية نيات” موسكو، وإن استمرار التعاون معها في سوريا “غير مثمر”، “ما دامت الطائرات الروسية والسورية مستمرة في قصف حلب”.
وبحسب رأي كيري، يوجد حاليا بين موسكو وواشنطن “انعدام ثقة”، موضحا هذا بقوله إن الجانب الروسي لا يثق بأن الولايات المتحدة “تحارب بجدية “جبهة النصرة””. وهو يرى أن العمليات التي تنفذها روسيا في سوريا “واسعة النطاق ولا محل لها”.
أما دميتري بيسكوف، المتحدث الصحافي باسم الرئاسة، فوصف تصريحات كيربي بالـ “خرقاء”؛ مضيفا: “نحن لا نريد أن يتحول عجز زملائنا في واشنطن عن الإيفاء بالتزاماتهم إلى هجوم كلامي ضد بلادنا”، وأكد أن روسيا سوف تستمر في مساعدة الجيش السوري.
يقول الخبراء الذين استطلعت “كوميرسانت” رأيهم إن تصريحات كيربي، دليل على نقطتين أساسيتين: الأولى – لا داعي للتعويل على حصول اختراق أو وقف التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا قبل تغير إدارة البيت الأبيض. والثانية – لم يتم تجاوز النقطة الدنيا في العلاقات وخطر استمرار النزاع لاحقا قائم.
يقول مدير مؤسسة فرانكلين روزفلت للدراسات الأمريكية بجامعة موسكو، يوري روغوليف إن “بيان جون كيربي جاء كمفاجأة، إن لم يكن صدمة للكثيرين: إذ لم يسمح الدبلوماسيون الأميركيون لأنفسهم سابقا بإطلاق مثل هذه التصريحات. ولكن بما أنها قيلت، فإنها دليل على وجود منطق وقانون معين اليوم. وعندما يجري التعامل مع الحكومة المنتهية ولايتها، فإن ممثليها يسمحون لأنفسهم بأكثر من المعتاد. وهذا البيان – دليل على أنه في الأشهر المقبلة، لن يحصل أي تعاون بيننا “.
أما مدير مركز كارنيغي موسكو دميتري ترينين فيعتقد أن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة قد تتفاقم أكثر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وقال: “يمكننا أن ننسى التعاون، فالاتهامات والتهديدات الأخيرة شطبت مسالة التعاون. ومع ذلك، يمكن أن توصلنا هذه التهديدات إلى مستوى الصفر وحتى دونه”.
وأضاف: “بعد انهيار التعاون بين موسكو وواشنطن في سوريا، لا يُستبعد تبادل الضربات بين الجانبين على مواقع القوى التي يعدُّها كل طرف حليفة للطرف الآخر”.
سيريان تلغراف