تطرقت صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” إلى الاتفاق الروسي–الأمريكي بشأن الأزمة السورية، موضحة أسباب تخوف الولايات المتحدة من كشف تفاصيلها.
جاء في مقال الصحيفة:
أطلق الصحافيون على الاتفاق الروسي–الأمريكي بشان سوريا اسم “اتفاق الفودكا والبيتزا”، وذلك لانتظارهم الطويل ما يتمخض عنه لقاء وزيري خارجية البلدين لافروف وكيري؛ ما دفع ممثلي الجانبين إلى توزيع الفودكا الروسية والبيتزا الأمريكية عقب انتهاء اللقاء على الصحافيين.
غير أن كل سر عاجلا أم آجلا يخرج إلى العلن. وهذا ما حصل بالنسبة لتفاصيل الاتفاق. فقد حصلت “كومسومولسكايا برافدا” على معلومات بشأن النقاط التي تم الاتفاق عليها.
نبدأ الموضوع بالإشارة إلى أن الجانب الأمريكي هو الذي طلب فرض السرية على البروتوكولات، في حين طالب الجانب الروسي بنشر تفاصيل الاتفاق لتجنب الأقاويل غير الصحيحة عنه. فالاتفاقية لا تمس روسيا والولايات المتحدة فقط، ولذا يجب أن تطلع عليها أطراف النزاع الأخرى.
وأحد أسباب سرية الوثيقة، كما علمت الصحيفة، هو الخلافات بين وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون. فوزير الخارجية جون كيري يريد التوصل إلى حل سلمي يكون آخر انجاز له في هذا المنصب، في حين أن وزير الدفاع المتشدد المعادي لروسيا آشتون كارتر يأمل بالبقاء في منصبه والاستمرار في محاربة روسيا وبالذات في سوريا في حال انتخاب هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة.
لقد اضطر كيري خلال مفاوضات جنيف إلى الاتصال بالبنتاغون بشأن كل كلمة في النص، وعندما كانت وزارة الدفاع الأمريكية تقول”لا”، كان يتصل بالرئيس أوباما. وفي نهاية الأمر أصر أوباما على موقفه وتم التوصل إلى الاتفاقية. لكن كارتر أعلن على الملأ عن عدم رضاه عنها.
علام تنص الاتفاقية؟
يبدأ سريان مفعول الهدنة في سوريا في 12 سبتمبر/أيلول 2016 بحلول أول أيام عيد الأضحى، حيث سيكون سهلا الالتزام بالهدنة في العيد.
وبعد يومين على بدء الهدنة، وإذا اتفق الطرفان على أن مراعاتها قائمة، فعليهما تمديدها ليومين آخرين، وهذا ما حصل فعلا حيث مددت الهدنة لفترة 48 ساعة أخرى. وإذا استمرت الأطراف المتنازعة في مراعاتها تمدد لأسبوع، وتبدأ مرحلة جديدة.
وتبدأ الهدنة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب وبقية المدن والقرى المحاصرة. والمساعدات إلى حلب تصل بشاحنات مختومة وتقوم بهذه المهمة منظمة الهلال الأحمر السورية. وفي الطريق إلى حلب يقيم الجيش السوري نقاط تفتيش للتأكد من سلامة الأختام. بعد ذلك تنتقل هذه المسؤولية إلى مراقبي هيئة الأمم المتحدة. بهذا الشكل لن يتمكن المسلحون من الحصول على الإمدادات التي يحلمون بها بحرية – سيسمح بوصول الملابس والمواد الغذائية فقط، أما الأسلحة فممنوعة، ولن يرفع الحصار عنها.
وبموجب الاتفاق، يحق لمواطني سوريا ومن بينهم المسلحون مغادرة المدينة بحرية من دون أي عائق والذهاب إلى الجهة التي يريدوها. هذا ما كانت روسيا والحكومة السورية قد توصلت إليه. “تريدون القتال اخرجوا من المدينة ولا تختبؤا وراء المدنيين”.
والشيء المهم الآخر هو أن روسيا والولايات المتحدة تشكلان بعد ثبات الهدنة مركزا تنفيذيا مشتركا للفصل بين مواقع المتطرفين “جبهة النصرة” (جبهة فتح الشام) و”داعش”، وبين المعارضة المعتدلة. حيث سيتم تبادل المعلومات بشأن هذه المواقع، ثم تبدأ عمليات قصف شاملة لمواقع المتطرفين من دون المساس بمواقع المعارضة المعتدلة.
هذا ما تتضمنه الاتفاقية السرية، وهذا ما يرفضه البنتاغون. والسبب هو أن “جبهة النصرة” تعدُّ المجموعة القتالية الأفضل بين المجموعات المعارضة، ومن دون “النصرة” لن تتمكن المعارضة من الوقوف بوجه الجيش السوري النظامي.
كما تتضمن الاتفاقية تحديد منطقة لا يحق لطائرات القوات الجوية السورية الإغارة عليها. ولكن هذا لا يعني أنه لا يحق لها التحليق فوقها، وكل ما عليها هو التنسيق مع الجانب الروسي بهذا الشأن. والحديث لا يدور عن كامل الأجواء السورية كما أراد الجانب الأمريكي، بل فقط عن منطقة محددة. وبحسب العسكريين الروس، هذا لن يؤثر في سير العمليات العسكرية، لأن طائرات القوة الجو-فضائية الروسية سوف تستمر بنشاطها، وقدراتها أعلى من القوة الجوية السورية، وقد وافقت دمشق على هذه الشروط.
روسيا وسوريا عموما راضيتان على الاتفاقية، لذلك سيحاول المسلحون إفشالها. والصعوبات ستزداد يوما بعد آخر. فممثلو الهلال الأحمر لن يحصلوا على ضمانات لمرورهم من المسلحين، وممثلو الأمم المتحدة لا يحصلون على تأشيرات الدخول من الحكومة. ولكن عندما تبدأ المساعدات بالوصول، سيزداد عدد أنصار السلام حتما.
أما المشكلة الأخرى، فتتمثل في أن العملية السياسية يجب أن تستأنف في نهاية الشهر الحالي. وهنا يحضر الأمريكيون فخا جديدا، حيث يؤكدون أن بشار الأسد “فقد الشرعية”. لذلك، فالمفاوضات يجب أن تكون بين مختلف مجموعات المعارضة. وقد رد سيرغي لافروف على هذا بقوله إن هذه وجهة النظر لا تستند إلى وثائق، وإن حكومة الأسد ممثلة في الأمم المتحدة. أي “يمكن كره بشار الأسد، ولكن لا يمكن إنكار شرعيته”.
لذلك يجب أن تكون المفاوضات بين الحكومة ومجموعات المعارضة التي وافقت على الهدنة. هذا هو موقف روسيا. وهذا ما هو مثبت في الاتفاقيات السرية التي لا يريد الجانب الأمريكي كشفها.
سيريان تلغراف