بدأت واشنطن وباريس وبعض العواصم الغربية الأخرى بإبراز ملف استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا ونقله إلى صدر المشهد السياسي الدولي.
ولا يشك الكثير من المراقبين في أن هذا الملف بالذات من شأنه أن يغطي على العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، وعلى العمليات العسكرية للقوات الخاصة الأمريكية في ليبيا، والتحركات الجديدة في المنطقة لصياغة مواقف مرتبطة بالتغيرات الميدانية الأخيرة، وبالذات في سوريا، والتي من شأنها أن تشعل العديد من الملفات.
وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت فاجأ العالم بأن بلاده تضغط من أجل إقناع أعضاء مجلس الأمن الدولي لإدانة الحكومة السورية بعد صدور تقرير يفيد باستخدام قواتها للأسلحة الكيميائية. وإمعانا في “الكيد السياسي” رأى وزير الخارجية الفرنسي أن التقرير يمثل فرصة لدفع روسيا لقبول قرار يدين “النظام السوري” من أجل استئناف المفاوضات السياسية.
الموقف الفرنسي مثير للتساؤلات بقدر ما هو مثير للسخرية. فالوزير الفرنسي يركز بشدة على “النظام السوري”، وعلى ضرورة الضغط على روسيا من أجل استئناف المفاوضات السياسية، الأمر الذي ينسف أي نوايا طيبة من الأساس. فنائب السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة ألكسي لاميك أعلن أن تقرير الأمم المتحدة “يقول بوضوح إن النظام السوري وتنظيم داعش نفذا هجمات كيميائية في سوريا خلال عامي 2014 و2015”. أي أن تقرير الأمم المتحدة الذي استغرق إعداده أكثر من عام يقر بتورط أطراف عديدة، منها ما هو مذكور، ومنها ما لم يتم ذكره، لأسباب لا يعملها إلا مجلس الأمن والدول الكبرى المتورطة في حصول داعش على أسلحة كيميائية.
البيت الأبيض بدوره أدان “استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل دمشق”، مشددا على أنه “لا يمكن الآن إنكار أن الحكومة السورية استخدمت مرارا غاز الكلورين ضد مواطنيها، انتهاكا لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية وقرار مجلس الأمن الدولي 2118”. وقال إن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع شركائها الدوليين بهدف محاسبة مرتكبي هذه الجريمة “عبر الآليات الدبلوماسية المناسبة”، لا سيما في إطار الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، داعيا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأطراف في المعاهدة، بما فيها روسيا وإيران، إلى الإسهام في هذه الجهود.
وإذا كانت هناك مصادر ما في الأمم المتحدة تدلي بتصريحات من قبيل أن بعثة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية استطاعتا تحديد مرتكبي 3 هجمات من أصل 9 حوادث يتم النظر فيها، وتم الإقرار بأن السلطات السورية الحكومية مسؤولة عن حادثين، وتنظيم “داعش” عن الحادث الثالث، فإن وزارة الخارجية الأمريكية قالت إنها تنظر في تقارير عن استخدام لأسلحة كيميائية ضد المدنيين في مدينة حلب السورية، وتأخذ هذه المعلومات على محمل الجد. بينما قالت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية إليزابيث ترودو إنه “في حال تم تأكيد استخدام النظام السوري مجددا للسلاح الكيميائي فإن هذا يشكل انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي”.
أما الأمم المتحدة فقد أعلنت أنها على علم بتقارير إعلامية عن هجوم بالغازات السامة في سوريا، لكنها لا تستطيع تأكيد صحتها. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك “لا نستطيع تأكيد هذه التقارير بأنفسنا. لكن من البديهي أن الأمين العام مطلع على هذه التقارير عن استخدام مفترض للأسلحة الكيميائية في النزاع السوري”.
وفي أوقات سابقة نقلت وسائل إعلام غربية عن معارضين سوريين أنباء عن إسقاط حاويات من غاز الكلور على بلدات سورية. وبناء على “تقارير” وسائل الإعلام بدأت المؤسسات الأكريكية ببناء سيناريوهاتها. غير أن الصيغ المرنة والعبارات المطاطة التي يتم استخدامها من قبل الساسة والمسؤولين الغربيين تثير الكثير من التساؤلات والشكوك. وربما يكون هذا ما دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى توجيه انتقادات ساخرة إلى الولايات المتحدة، بأنه من الأفضل أن تفي بتعهداتها التي قطعتها على نفسها بشأن فصل الإرهابيين عن المعارضة في سوريا بدلا من التركيز على ملف استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
وعلى الرغم من الانتقادات الروسية، إلا أن المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أعلنت أن موسكو ترحب بصدور التقرير الثالث لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والذي يؤكد ما أعلنته روسيا مرارا حول امتلاك تنظيم داعش الإرهابي أسلحة كيميائية”.
وفي إطار التفاؤل، أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن “روسيا والولايات المتحدة ستعملان معا بشأن خطواتهما التالية عقب صدور تقرير بعثة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول استخدام السلاح الكيميائي بسوريا، ولا ينبغي الاستعجال بإطلاق الاستنتاجات، علينا أن نعمل بوعي”.
وعلى الرغم من كل ذلك، فهناك تبادل أدوار بين واشنطن وباريس تارة، وبين لندن وبروكسل تارة أخرى لاستنساخ ملف صدام حسين الكيماوي المزعوم، للتغطية على المتورطين الحقيقيين في حصول داعش على الأسلحة الكيميائية والعديد من أنواع الأسلحة الأخرى الخطيرة، وإبعاد الأنظار عن ممارسات عسكرية وأمنية واستخباراتية تمارسها أجهزة وقوات هذه الدول في سوريا وليبيا والعراق ومناطق أخرى، ومواصلة الضغط على موسكو في ملفات وأزمات مختلفة لإجبارها على تنفيذ أجندات غربية تتعارض مع مصالح روسيا الوطنية.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ