في نهاية العام الماضي، قدمتُ خطاباً خلال حدث سياسي تابع لحزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD) عن المشكلات، التي ستواجهها ألمانيا في دمج اللاجئين،
وضرورة احترامهم لقيم وعادات وتقاليد المجتمع الألماني. ثم عرجت على موضوع المتطرفين، الذين تسللوا مع اللاجئين واحتمال ارتكابهم أعمالا إرهابية في البلاد.
وعلى الرغم من تغطية عدد كبير من وسائل الإعلام الألمانية هذا الحدث، فإن الأحزاب والقوى الليبرالية واليسارية مثل “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” (SPD) و”حزب الخضر” قررت شخصنة الموضوع وشنت حملة إعلامية، مغفلين كل الأفكار التي طرحتها بطريقة علمية ومنطقية.
لكنِ اليوم، لم يعد أمام القوى والتيارات الألمانية حديث آخر غير اللاجئين، وجدوى برامج الدمج التي تتعرض بين الحين والآخر لصدمات كبيرة، آخرها الهجوم الذي شنه لاجئ أفغاني (17 عاما) بالفأس على ركاب محطة قطار على الطريق الذي يربط بين مدينتي وورتسبورغ-هايدينغسفيلد وأوخسينفورت وسط البلاد، الاثنين 18 يوليو/تموز، وأدى إلى إصابة 4 أشخاص، جروح 3 منهم بالغة.
وأعلن تنظيم “داعش” الإرهابي في بيان نشر على مواقع خاصة به في شبكة الإنترنت عن تبنيه هجوم بافاريا، واعتبره ردا على استهداف دول التحالف ومن ضمنها ألمانيا للتنظيم الإرهابي.
هذا الهجوم، وقبله محاولة تنفيذ هجوم إرهابي في مدينة دوسلدورف من قبل ما يسمى بـ”عابري الدولة الإسلامية”، يثير مزيداً من الأسئلة حول السياسات الليبرالية للحكومة الألمانية بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل تجاه اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.
ومن المرجح أن تعمق هذه الأحداث الأمنية المخاوف حول ما يسمى بهجمات “الذئاب المنفردة” في أوروبا، كالتي حدثت في مدينة نيس الفرنسية الأسبوع الماضي، حيث هاجم التونسي-الفرنسي محمد لحويج بوهلال بشاحنته حشدا في كورنيش نيس أثناء الاحتفال بالعيد الوطني لفرنسا، موقعا 84 قتيلا و300 جريح، لا يزال 19 منهم بين الحياة والموت.
ووفقاً لفرانك ديكر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بون الألمانية، “في أذهان كثير من الناس، يرتبط وصوله (الأفغاني) مباشرة بميركل وسياساتها الليبرالية المتعلقة باللاجئين”، الأمر الذي سيزيد من الضغوط السياسية على المستشارة التي رحبت بمئات الألوف من اللاجئين بطريقة غير منضبطة.
وبالرغم من ارتفاع شعبية ميركل مرة أخرى منذ استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن أي هجوم إرهابي على غرار هجوم نيس من الممكن أن يقضي على شعبيتها بسرعة قياسية.
وأكد حزب “البديل” المناهض للهجرة أنه يجب إلقاء اللوم على ميركل ومؤيديها على الوضع الأمني الخطير في البلاد بسبب “سياسات الترحيب التي جلبت الكثير من الشبان غير المتعلمين والإسلامويين المتطرفين إلى ألمانيا”.
في سياق متصل، طرحت حكومة برلين برنامجاً للإرهابيين العائدين من سوريا إلى ألمانيا، ولكن البرنامج لم يكلل بالنجاح حتى اللحظة. فعلى سبيل المثال، نشر أحد الجهاديين الألمان العائدين من الرقة صورا له على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يحمل الأسلحة ويتباهى بقتل “الكفار”.
ونشر هذا “الجهادي” مزيداً من مقاطع اليوتوب الدعائية بعد التحاقه بالبرنامج الحكومي الذي يكلف خزينة الدولة نحو 400 ألف يورو.
وتدعي الحكومة الألمانية أنه لا توجد أدلة كافية لإدانة العائدين من سوريا، ولكنها تسجلهم في برنامج يسمى “deradicalization”، الذي يهدف إلى تخفيف تطرف هؤلاء وإعادة دمجهم في المجتمع الألماني.
ووجدت دراسة أجرتها قناة الأنباء الألمانية N-TV أن العديد من “الجهاديين السابقين” يعودون إلى الحركات السلفية في البلاد لأنها “تعاملهم معاملة الأبطال”.
وقال عدد من المقاتلين السابقين للمحطة ذاتها إن التطرف الإسلاموي هو مثل الإدمان على الكحول، حيث من المستحيل تغيير وجهات نظرهم واستيعابهم مرة أخرى في المجتمعات الغربية.
ويقدر مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية أن 820 من الرعايا الألمان انضموا إلى الجماعات الجهادية في سوريا والعراق. ويعتقد أن 250 إرهابياً عادوا إلى ألمانيا منذ كانون الثاني/يناير من هذا العام.
سيريان تلغراف | كيفورك ألماسيان