نشرت صحيفة “أرغومينتي إي فاكتي” مقالا لرئيس مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سيمون باغداساروف، يشير فيه إلى أن إيران رغم رفع العقوبات عنها لم تنل حريتها الاقتصادية.
جاء في المقال:
“توصلت إيران مع السداسية الدولية (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، الصين وروسيا) يوم 15 يوليو/تموز 2015 إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها. ومن الواضح أن الجانب الإيراني عاش نشوة عارمة عند رفع العقوبات، على أمل أن تتدفق الاستثمارات إلى إيران فورا، وخاصة من أوروبا الغربية. ولكن، ولغاية هذا الوقت لم يتلق الاقتصاد الإيراني استثمارات حقيقية، بل تأتي الوفود إلى طهران لدراسة الأوضاع، ولا سيما أن السوق الإيرانية في قطاع النفط والغاز مهمة، إضافة إلى الخامات الأخرى فيها.
والصفقة الكبرى الوحيدة التي عُقدت، كانت صفقة توريد عدد كبير من طائرات “إيرباص” المدنية، وقد وقعها الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارته إلى فرنسا. وتقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات”.
ومن وجهة نظر الكاتب، فالمشكلة تكمن في عدم عودة الشركات الأمريكية إلى السوق الإيرانية. فـ”كما نعلم، كانت هناك وقائع، عندما رفعت الشركات الأمريكية دعاوى قضائية ضد إيران تطالب فيه بتعويض الشركات والأشخاص الذين تضرروا من فرض العقوبات على إيران. وهذا أمر سخيف جدا، ولكنه يبطئ عودة الاستثمارات. وإضافة إلى ذلك، ينشط في الولايات المتحدة اللوبي الموالي لإسرائيل، التي ليس من مصلحتها تعزيز موقع إيران سياسيا واقتصاديا. وهذا أيضا يفسر عدم تدفق الاستثمارات إلى إيران.
وكذلك، فقد كان يجب إعادة أصول مالية كبيرة إلى إيران، جمدها الغرب. وتبلغ قيمتها في الولايات المتحدة وحدها أكثر من 100 مليار دولار. بيد أن الولايات المتحدة تقول إن إيران تستطيع الحصول على 56 مليار دولار منها فقط، والباقي سيذهب لدفع ديون شركات النفط الأمريكية. ومع ذلك، فلم تستلم إيران أي مبلغ حتى الآن. ويبدو أن واشنطن متخوفة من أن تستخدم إيران هذه المبالغ في تعزيز الهياكل العسكرية في سوريا ولبنان واليمن وغيرها.
وليس سرا أن قضية سوريا هي القضية رقم واحد في السياسة الخارجية لإيران، وأن إيران هي الممول الرئيس لبشار الأسد؛ حيث حولت له عام 2014 من 6 إلى 8 مليارات دولار، وهذا دعم كبير، على الرغم من أن القوات الإيرانية لن تستطيع مساعدة الأسد من دون الدعم الروسي.
وبالنسبة إلى الإيرانيين، فمن المهم الحفاظ على المخطط الذي وضعوه سابقا. والمقصود هنا هو القوس الشيعي – إيران، العراق، سوريا، لبنان”.
ولكن هذا المخطط، برأي الكاتب، بدأ بتصدع لأن الحديث عن وحدة الأراضي السورية أصبح أمرا صعبا، وهو ما تحدث عنه باغداساروف قبل سنتين، إذ فور الإعلان عن إنشاء فيدرالية شمال سوريا فستتحول إلى شبه دولة وينتهي وجود سوريا كدولة موحدة. ومع ذلك، تحاول إيران الحفاظ على هذا المخطط، إضافة إلى نظراتها إلى اليمن، حيث تحاول تعزيز نفوذها.
أي أن هذه مهمة رئيسة لإيران في الشرق الأوسط. لذلك ستبقى الولايات المتحدة والمملكة السعودية تقفان ضدها كما كان الأمر في السابق.
والإيرانيون يدركون هذا الأمر، وحتى لو أعادت الولايات المتحدة مبلغ 56 مليار دولار فإن طهران سوف تنفقها ليس فقط على المتطلبات العسكرية، بل وأيضا على شراء تكنولوجيات حديثة وخاصة لقطاع النفط والغاز، الذي كان قبل فرض العقوبات ينتج 2-3 مليون برميل نفط يوميا. وطبعا هذا يتعارض مع مصلحة المملكة السعودية التي عوضت حصة إيران في السوق العالمية.
و”بكل تأكيد ستعيد الولايات المتحدة هذه الأموال، ولكنني أعتقد أن هذه المسألة ستبقى مجمدة إلى حين انتخاب الرئيس الجديد. لذلك من الصعوبة التكهن بكيفية تأثير نتائج الانتخابات في القضية الإيرانية. ولكن يمكن القول إن هيلاري كلينتون أكثر عدائية لإيران من دونالد ترامب.
وعموما، ستبقى علاقات الغرب بإيران مرتبطة بسلوك إيران في الأزمة السورية. الإيرانيون في الوقت الحاضر يختبئون خلف روسيا، ومع ذلك فطهران تحت مراقبة مستمرة. أي من الممكن في أي لحظة اتهام إيران بانتهاك اتفاقية البرنامج النووي وفرض عقوبات جديدة عليها. مع أن الشركات الأوروبية تهرع إلى السوق الإيرانية وترغب في المساهمة في مشاريع موارد الطاقة، ولديها الأموال والتكنولوجيا. لكن إيران تبقى تناور بين المصالح المالية والسياسية.
سيريان تلغراف