مجموعة من الرسائل انطوى عليها حديث الرئيس السوري بشار الأسد مع قناة “إس بي إس” الأسترالية ، منها ماهو تأكيد على ثوابت ورؤية الدولة السورية منذ خمس سنوات ، ومنها ما يحمل موقفاً أو إجابة على أسئلة جديدة أو تطورات شهدتها الأزمة السورية في الآونة الأخيرة .
كعادته، يشرّح الأسد ويفكك كل سؤال ويصوّبه ليعيد الأمور إلى نصابها كما تراه الدولة السورية لا كما يراها ويقرأها الإعلام الغربي الذي علينا أن نتفق على أنه يتشابه بمعظمه باعتماده – خلال حواراته مع الأسد – على توجيه الأسئلة الاتهامية والاستفزازية، والتي كثيراً ما نجح الأسد في استيعابها وتفريغها من عامل الإثارة و”التذاكي” عبر فكفكتها والإجابة على كل جزء منها وإعادة المُحاوِر إلى أساس الأزمة وأسبابها ومجرياتها .
في هذا الحديث رحّب الرئيس السوري – كما هو الحال في أحاديثه السابقة- بأي سعي غربي جدي باتجاه مكافحة الإرهاب انطلاقاً من الثابتة السورية المعروفة “أن يمر عبر الدولة الشرعية” وليس عبر القفز من فوقها، موجهاً رسالة للمتسابقين إلى الميدان السوري بأن هزيمة الإرهاب ليست بالحرب فقط، بل بتجفيف منابعه في السعودية وإمداداته اللوجستية والمالية والتسليحية من قبل قطر وتركيا، وهنا ركّز الأسد على تركيا معتبراً أن وقفها لإمداد المسلحين وإغلاق الحدود أمام تدفقهم كفيل وحده بهزيمتهم بعد أسابيع أو أشهر في أقصى الحدود.
ويبدو أن الأسد أراد في هذا التخصيص لتركيا أن يبعث برسالة إلى كل من يتحدث عن تغيرات مرتقبة في سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية وخاصةً بعد المصالحة الروسية – التركية، بأن الأمر ممكن فقط عندما تتوقف تركيا عن دعم الإرهابيين ومدهم بالسلاح وممر العبور نحو الداخل السوري، وهنا ربما يلاقي الأسد المساعي الروسية لتغيير السلوك التركي في سوريا، والتي يبدو أنها تسير بالاتجاه الصحيح بعد ما رشح اليوم عن اجتماع لافروف ومولود أوغلو حول اتفاق على تصنيف الإرهابيين وعلى ضرورة حل الأزمة السورية.
الأسد، وفي موقف ثابت منذ بداية الأزمة السورية، أعاد التأكيد على متانة الحلف الاستراتيجي، الذي يجمع بلاده إلى كلٍّ من روسيا وإيران، مجدداً تشديده على الفهم المشترك، الذي يجمعه مع موسكو بأن هذه الأخيرة لا تدافع عن شخصه، وإنما تدافع عن الدولة والشرعية المتمثلة في حكومته، وأيضاً عن مصالحها التي قد تتضرر في حال انتصار الإرهاب، لأن ما يجري في سوريا لا ينحصر فيها فقط، بل سيكون له “أثر الدومينو” على الجميع بما في ذلك أوروبا، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آخر خطاباته أمام سفراء روسيا لدى الدول الأجنبية ومندوبيها الدائمين في الخارج الأجنبية المعتمدين في موسكو عندما قال “إن منطقة الشرق الأوسط ليست الوحيدة التي سيكون مستقبلها مرهون بمصير سوريا”، معرباً عن قناعته بأن حسم المعركة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي سيتم على الأرض السورية.
وفي العلاقة مع الحلفاء والتي كثيراً ما تعرضت لمحاولات تشكيك من الإعلام الغربي والعربي، جاء رد الأسد على سؤال عن صدامات مفترضة بين الجيش السوري وحليفه على الأرض “حزب الله” لينفي صحة ذلك قطعياً أو حتى وجود أي خلافات في الرأي بين ما يسميه الحليفين بـ”وحدة الدم”.
الرئيس السوري ميّز بين ما يسمى “بالمعارضات” السورية، معتبراً أن جزءاً منها ليس إرهابياً بالتأكيد، وهؤلاء هم من رفضوا حمل السلاح في وجه الدولة والجيش بالرغم من أنهم كانوا أول من بدأ الاحتجاجات ضد الحكومة ” يمكن القول إن هؤلاء لا يؤمنون بالخط السياسي لهذه الحكومة وهذا حقهم.. لكنهم لا يعملون ضد الحكومة أو ضد مؤسسات الدولة.. إنهم يميزون أنفسهم عن الأشخاص الذين دعموا الإرهابيين”.
ومن هنا يبدو واضحاً أن هؤلاء هم من تعوّل عليهم الحكومة السورية في أي مفاوضات أو محادثات سورية – سورية للخروج بحل للأزمة، وليس تلك المعارضة “التي تعمل بالوكالة وبالنيابة عن دول أخرى مثل السعودية أو أي بلد آخر”..والمقصود طبعاً هنا “معارضة الرياض” التي تعتبرها دمشق لسان حال السعودية.
الأسد وإن أبدى استعداده من حيث المبدأ لمواصلة المفاوضات التي يشرف عليها المبعوث الدولي “ستيفان دي مستورا”، إلا أنه اعتبر أن كل ما جرى حتى الآن ليس مفاوضات بين السوريين، بل محادثات مع “الميسّر” ديمستورا، ويبدو أن دمشق ليست متفائلة في الخروج بأي نتائج مرضية من اجتماعات جنيف أخرى بدأ الحديث عنها قبل أيام في ظل استمرار “معارضة الرياض” ومن وراءها بفرض شروط ترفضها الحكومة السورية وحلفاؤها رفضاً قاطعاً.
كان لافتاً في حديث الأسد تناوله للغرب الذي اعتبره مجرد تابع للولايات المتحدة، وخاصةً في الملف السوري، فهؤلاء “يهاجموننا سياسياً ومن ثم يرسلون لنا مسؤوليهم للتعامل معنا من تحت الطاولة خصوصاً مسؤوليهم الأمنيين”.. وخصّ بريطانيا بتلميحات قوية عندما اعتبر أن ساستَها هم من الدرجةِ الثانية، “فأولئك المسؤولون الذين كانوا يقدمون لي النصائح حول كيف ينبغي أن أتعامل مع الأزمة في سوريا ويقولون إن على الأسد أن يرحل وإنه منفصل عن الواقع تبين أنهم منفصلون عن الواقع”.
الأسد أعاد التأكيد على ما درج على تأكيده دائماً في حواراته السابقة، لكن الجديد هذه المرة أن حديثه يتزامن مع متغيرات ميدانية ليس أولها معركة حلب المتوقعة في أي لحظة، والحديث المتواتر عن قرب انطلاق الجيش السوري إلى دير الزور والرقة، وسياسية عبر المصالحة الروسية – التركية التي سيكون لها أكبر الأثر على الوضع الميداني في حال سارت إلى حيث يتوقع المتفائلون بما ينعكس على الأزمة السورية انفراجاً رغم كل العوائق والمطامح والمصالح المختلفة باختلاف الأطراف الفاعلة فيها .
سيريان تلغراف | علي حسون