يمكن وصف موقف إسرائيل من “داعش” بأنه ذو وجهين، فهي تفعل كل ما بوسعها كي لا ينتشر داخلها، وفي نفس الوقت لا ترغب في هزيمته واختفائه من سوريا.
هذا الموقف صاغه مؤخرا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء هيرتسي هاليفي بإشارته إلى أن الدولة العبرية تفضل هذا التنظيم على نظام الأسد، وأنها لا تريد أن يسوء وضع “داعش” في الحرب الدائرة هناك إلى درجة الهزيمة.
وأشار المسؤول الأمني الإسرائيلي إلى أن الأشهر الثلاثة الماضية كانت الأكثر صعوبة بالنسبة لتنظيم “داعش” منذ تأسيسه وإعلان “خلافته”، لافتا إلى أن هزيمة هذا التنظيم من شأنها أن تضع إسرائيل في موقف صعب بـ”انسحاب القوى العظمى من سوريا وترك إسرائيل منفردة أمام حزب الله وإيران التي تملك قدرات جيدة”، مشددا على أن تل أبيب ستفعل كل ما بوسعها كي لا تجد نفسها في مثل هذا الوضع!
هذا الموقف الإسرائيلي الرسمي من “داعش” يقترب بدرجة ما من موقف الولايات المتحدة، وهو يتطابق من حيث الجوهر مع مواقف عدد من الدول العربية وخاصة الخليجية، ونقطة الالتقاء بين الطرفين بطبيعة الحال “الخطر” الإيراني، الذي يقلق الجميع أكثر من غيره.
مثل هذه المفارقة تعكس الكثير من المتغيرات التي ظهرت بتدمير وتفكك العراق وليبيا واهتزاز مصر بشدة، واحتدام الصراع الطائفي في المنطقة من العراق إلى سوريا مرورا بالبحرين، وتربعه على قمة أولويات حكومات المنطقة، لكن ما يحدث بالنسبة لإسرائيل يمثل فرصة ذهبية تساعدها على التواري خلف حرائق “حروب داخلية” دامية بالمنطقة تزيحها في صمت من خانة العدو الأول مستبدلة إياها بإيران.
ومن جانب آخر، لا تخفي إسرائيل قلقها من تمدد داعش وانتشاره بين صفوف العرب داخلها، وكان رئيسها ريؤفين ريفلين قد حذر بداية العام الجاري من ذلك، مضيفا أن “داعش أصبح هنا بالفعل ولم يعد ذلك سرا. أنا لا أتحدث عن الأراضي المتاخمة لدولة إسرائيل بل عن داخلها”.
وكانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قدّرت مستهل عام 2016 عدد العرب الإسرائيليين الذين انضموا للقتال في صفوف تنظيم “داعش” بنحو 50 شخصا، كما انتشرت في الانترنت أشرطة دعائية باللغة العبرية لجذب المزيد من الإسرائيليين العرب.
وفي هذا السياق، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى تجريد اثنين من المواطنين العرب من الجنسية الإسرائيلية وتصريح الإقامة الدائمة باعتبارهما يشكلان تهديدا للأمن الإسرائيلي نظرا لمحاولتهما الانضمام إلى داعش.
وكان وزير الداخلية الإسرائيلي أرييه درعي قد طلب في اليومين الماضيين من النائب العام أفيحاي مندلبليت الموافقة على هذا الإجراء بحق مقدسيين يبلغان من العمر 24 و26 عاما، يشتبه في محاولتهما الانضمام إلى “داعش” في سوريا، مشيرا في خطابه الرسمي إلى أن “أهمية الجنسية الإسرائيلية ليست في حاجة إلى توضيح، وهي تتضمن واجبات بين المواطن ودولته والدولة ومواطنيها”.
وأضاف درعي “يجب علينا، على خلفية تزايد الإرهاب الدولي، أن نحارب بكل ما أوتينا ظاهرة أولئك الذين يختارون الانضمام إلى المنظمات الإرهابية”، لافتا إلى أن الحرمان من الجنسية سيكون إجراء رادعا لمن يفكر في مثل هذه الخطوة.
وهكذا تأمل إسرائيل في أن يواصل “داعش” عمله التدميري في سوريا، وأن لا تنتهي الحرب هناك بهزيمته كي تنعم بمزيد من الأمن والأمان. أمن لم يعكره شيء بصورة جدية منذ عقود على الحدود السورية، إلا أن الاستراتيجيات الأمنية تتطلب قدرا كبيرا من المرونة والتحايل كي تنقلب المفاهيم ويتغير موقع الجبهات ويحترق ما تبقى فيما يعرف بالجبهة الشرقية الخامدة أبدا.
وما يجري يدفع بسرعة في اتجاه تهيئة الظروف المناسبة لاصطفاف الدول العربية وإسرائيل بشكل رسمي في جبهة واحدة ضد عدو مشترك. وبعبارة أخرى، تسعى إسرائيل إلى أن يصطف العرب معها في خندق واحد ضد إيران، ومن دون أي التزامات على كافة الصعد بما في ذلك حل الدولتين المنسي.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر