يشير تغلب تركيا على التوتر الذي كان يسود علاقاتها مع روسيا و “إسرائيل” بوضوح إلى تغير إيجابي في سياسة أنقرة الخارجية قد يدفعها لإيجاد حلول توافقية أخرى أبعد.
ويرى المراقبون أنه في أعقاب مراجعة تركيا لمبادئها الأساسية في العلاقة مع روسيا وإسرائيل يمكن أن تخفف موقفها إزاء نظام بشار الأسد في سوريا فضلا عن مراجعة النهج تجاه تنظيم “داعش”.
رمزيا، تزامن بدء تطبيع علاقات تركيا الخارجية، مع الهجوم الدموي الأخير على مطار أتاتورك الذي أودى بحياة 44 شخصا، حيث وجه وزير الخارجية الجديد، بن علي يلديريم، أصابع الاتهام إلى تنظيم “داعش”.
وجاء تفاقم وضع تركيا على الساحة السياسية داخليا وخارجيا نتيجة لسلسلة الأخطاء التي ارتكبت وفي جوهرها الطموحات الامبراطورية، حيث أصبح نهج “العثمانية الجديدة”، في الواقع، عقيدة السياسة الخارجية لتركيا. ومن أجل هذه الخطط، بدأت أنقرة، بنشاط، البحث عن وسائل تعزيز نفوذها في مناطق الإمبراطورية السابقة مع التركيز على الدول الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولم يخف أردوغان مساعيه إلى استعادة نفوذ بلاده في منطقة البحر المتوسط، على الأقل، وعمل جاهدا على إزاحة منافسيه الإقليميين من طريقه.
في العام 2011، حينما راح النزاع المسلح في سوريا يتسع، قال أردوغان، الذي شغل منصب رئيس الوزراء آنذاك، إن ما يجري في سوريا “مسألة سياسة تركيا الداخلية”، وقطع علاقات الصداقة مع بشار الأسد، ليتحول على الفور إلى العدو اللدود للرئيس السوري.
وتدهورت العلاقات بين تركيا ومصر بعد إعلان أردوغان عن عدم شرعية الإطاحة بنظام محمد مرسي.
من جهة أخرى، أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” البريطانية إلى أن تركيا، في السنوات الأخيرة، قللت من الخطر الذي يمثله تنظيم “داعش”، وسمحت للإرهابيين بالتسلل عبر حدودها إلى سوريا.
وتعليقا على الهجمات الإرهابية على مطار أتاتورك في اسطنبول، قالت الصحيفة في مقال نشر الخميس، 30 يونيو/حزيران، إن استهداف تركيا لم يكن مفاجأة، نظرا إلى أن الحكومة التركية طال زمن تقليلها من خطورة “داعش”.
بالفعل، أصبح البلد بمثابة “باكستان ثانية”، حيث سمحت تركيا بتهريب الأسلحة وتنقّل ألوف الإرهابيين عبر حدودها ،والذين باتوا يهددون أمن البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن “تركيا بدأت في العام الماضي فقط،ـ تحت ضغط الولايات المتحدة، بقصف مواقع “داعش” وسمحت للطيران العسكري الأمريكي باستخدام أراضيها لاستهداف التنظيم الإرهابي ومنع عبور حدودها مع سوريا بشكل أدق”. وهو الأمر الذي على الأرجح زاد من احتمال مهاجمتها من قبل “داعش”.
من ناحية أخرى، وضع مثل هذا التغاضي تركيا في عزلة إقليمية ودولية غير مسبوقة، إذ أن أولويات أنقرة تقاطعت مع نظيرتها الأمريكية، فقد أعلنت واشنطن مؤخرا أن محاربة “داعش” أهم من تنحية الأسد في سوريا.
ويتساءل المراقبون عما إذا كان هذا التوجه الجديد في سياسة تركيا الخارجية سيشمل أيضا نظام الرئيس السوري خصوصا مع تنامي عمليات تنظيم “داعش” الإرهابية والانتصارات الميدانية التي حققها الأكراد في سوريا.
وقد ساهمت مجموعة من التطورات الأمنية والسياسية في تغيير مزاج السياسة الخارجية التركية. فقد أوضح رئيس الوزراء الجديد، بن علي يلديريم، في أولى تصريحاته الصحفية، سياسة أنقرة الجديدة، قائلا “إسرائيل وسوريا وروسيا ومصر.. ينبغي ألا تكون لدينا عداوة دائمة مع تلك الدول المطلة على البحر الأسود والمتوسط”، ما قد يشير إلى الإطاحة بنظام الأسد لم يعد خيارا وحيدا في سوريا.
سيريان تلغراف