بدأت عملية التسوية السياسية بسوريا تشكل عقبة في طريق الولايات المتحدة التي تحاول إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، لكن أسبابا مهمة تمنع واشنطن من حل المشكلة وفق السيناريو اليوغوسلافي
وجاء في مقال نشر على الموقع الإلكتروني لقناة “زفيزدا” الروسية أنه لم تبق هناك أي شكوك في أن واشنطن تدرس سيناريوهات للتدخل في مصير سوريا باستخدام القوة. وفي هذا السياق يعيد محللون عسكريون استطلعتهم القناة، إلى الأذهان واحدة من أكثر الحملات الأمريكية دموية وغدرا – الغارات التي نفذتها أمريكا وحلف الناتو في يوغوسلافيا السابقة والتي حولت الدولة المزدهرة إلى ركام.
واعتبر كاتب المقال دميتري يوروف، أن التصريحات الرنانة الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية في الآونة الأخيرة، تظهر الوجه الحقيقي للدبلوماسية الأمريكية، والتي تنطلق من مبدأ “سنكسرهم مهما كان الثمن”. وتواصل واشنطن السير على هذا الطريق، رغم فشل الجهود الرامية إلى إسقاط الأسد على مدى 5 سنوات.
ويذكر المقال أن “واشنطن لم تتمكن من تحقيق أهدافها في سوريا، رغم كميات الأموال والأسلحة المتدفقة إلى أيدي “أنصار الديمقراطية والحرب” – لم تساعد تلك التدفقات خلال سنوات الحرب في تحقيق نقلة نوعية في سياق العمليات القتالية، بل على العكس، يشهد ميدان القتال السوري انكماشا حادا لنجاحات المعارضة المسلحة”.
وتابع كاتب المقال أن ظهور تنظيم “داعش” ودخوله في الحرب ضد السلطات السورية، كان من العوامل التي تصب في المصلحة الأمريكية. لكن انضمام القوات الجوية والفضائية الروسية إلى الحرب ضد الإرهاب في سوريا تلبية لطلب الرئيس بشار الأسد، جعل هدف كسر إرادة الشعب السوري وتفكيك البلاد إلى أجزاء عدة، أكثر استحالة.
واستطرد يوروف قائلا: “وفي هذه اللحظة تذكر محللو عشرات الوكالات والمؤسسات المعنية عدة عمليات عسكرية للولايات المتحدة والناتو نساها التاريخ العالمي تقريبا، ومنها عملية “تصميم القوة” التي أجراها الجيش الأمريكي وقوات الناتو في الفترة من 24 مارس/آذار – 10 يونيو/حزيران عام 1999 لتدمير بوغوسلافيا”.
وذكر كاتب المقال أن العملية العسكرية ضد يوغوسلافيا كانت الأولى التي اعتمدت فيها واشنطن على مبدأ “اضرب العدو حيث لا يمكنه أن يرد عليك”. واعتبر أن الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة في ضربات جوية مكثفة، حققت توقعات واشنطن بنسبة مئة بالمئة، إذ اضطرت بلغراد التي لم تكن تملك أي وسائل للتصدي لمثل هذا العدوان، لقبول الشروط الضارة بالنسبة لنفسها. وذكر بأن 14 دولة من حلف الناتو انضمت للعملية التي شاركت فيها قرابة 1200 طائرة حربية من مختلف الأنواع.
وتابع يوروف أن لا أحد من الخبراء يشكك اليوم في وجود خطة مماثلة وضعتها واشنطن بالنسبة لسوريا، إذ لا تنفي حتى وزارة الخارجية الأمريكية المعلومات التي تظهر بهذا الشأن.
واعتبر كاتب المقال أن تسريب وثيقة حول سيناريو “التدخل الأمريكي المحدود” في الأزمة السورية إلى وسائل الإعلام، تؤكد أن مواقف وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون متضاربة، لكن من الواضح أن الأمر الواقع في سوريا لا يروق لأمريكا على الإطلاق.
وتابع أن هذه الوثيقة التي وقع عليها العديد من محللي وزارة الخارجية الأمريكية، تلفت الانتباه ليس إلى حرب “المعارضة السورية ” ضد “داعش” فحسب، بل وإلى “الفظائع” التي يرتكبها الجيش السوري بحق المعارضة السورية.
لكن هناك أمر حساس للغاية يقف في طريق الخطط الأمريكية، وهو يكمن في إصرار الرئيس السوري بشار الأسد على التصدي لهذه الخطط. وأوضح كاتب المقال قائلا: “إن ذلك لا يروق لواشنطن على الإطلاق وهو الجزء الأكثر صعوبة في اللعبة السورية. وحسب الخطة الأمريكية، كان من المقرر إسقاط الأسد أو قتله على غرار صدام حسين أو معمر القذافي قبل فترة طويلة”.
وقال المستشرق يفغيني بوغدانوف في تعليق لقناة “زفيزدا”، إن التدخل الروسي في الحرب بسوريا أحبط الخطط الأمريكية المذكورة. أما الآن، فينشب في صفوف الاستخبارات والوزارات الأمريكية “نزاع مصالح”، إذ يريد بعض المسؤولين الكبار حل المشكلة “بصورة سلمية نسبيا”، فيما يصر “حزب الحرب” على ضرورة توجيه ضربة إلى سوريا فوريا.
ويشير الخبراء إلى أن الحديث لا يدور عن عملية أمريكية برية في سوريا، لكن بإمكان واشنطن أن تعتمد على حاملتي الطائرات الموجودتين في المتوسط، لتوجيه ضربات مكثفة باستخدام الصواريخ المجنحة وفق “السيناريو اليوغوسلافي”، وعلى غرار الضربات الروسية الصاروخية إلى مواقع الإرهابيين والتي نفذتها سفن حربية روسية في بحر قزوين في الخريف الماضي.
وفي الوقت نفسه يشكك الخبراء في مدى واقعية استخدام “السيناريو اليوغوسلافي” في سوريا، نظرا لكون دمشق محمية من قبل روسيا وإيران اللتين تمتلكان وسائل حديثة للدفاع المضاد للجو والسفن.
لكن لا يجوز استبعاد هذا السيناريو نهائيا، نظرا لتعزيز مواقف مؤيدي هذا البرنامج في واشنطن على خلفية عوامل عدة، ومنها عدم إحراز أي تقدم في حرب “المعارضة المعتدلة” ضد “داعش” و”المشاكل الكبرى” التي تواجهها هذه المعارضة في مساعيها لإسقاط الأسد.
ويقول المحللون إن المرحلة التاريخية التي كانت خلالها واشنطن تحل أي مشكلة مع أي دولة التفافا على القرارات الأممية بمجرد اللجوء إلى الضغوط على حلفائها، أصبحت من الماضي ولا عودة إليها.
ويؤكد المقال أن سعي “حزب الحرب الأمريكي” إلى “تقديم عبرة للروس والأسد والإرهابيين في آن واحد” ليس إلا المحاولة الأخيرة والمتهورة للغاية لحل المشكلة بنفس الطريقة التي اعتمدتها واشنطن على مدى العقود الماضية.
سيريان تلغراف