تقترب الولايات المتحدة وبريطانيا والحلفاء المحليين من تطويق تنظيم “داعش” في العراق وسوريا وليبيا، ما يشير إلى اقتراب معارك الحسم في الرقة والموصل وسرت.
وفيما يشتد الطوق على “داعش” في الرقة بسوريا وفي الفلوجة بالعراق، وتجري محاولات للتقدم إلى معقله في سرت بليبيا، يبقى الزحف على الموصل مرتبطا بنتائج الحرب في الفلوجة.
وتدعم الولايات المتحدة وبريطانيا في الدول الثلاث فصائل مسلحة متعددة المشارب بالأسلحة والمستشارين، وتسندها بمفارز من القوات الخاصة.
وبهذا الشكل، لم يبق خارج مرمى النيران المباشرة من فروع “داعش” إلا اليمني. ويبدو أن المعركة الأمريكية ضد هذا التنظيم هناك مرتبطة بانتهاء “عاصفة الحزم”، وبالتوصل إلى تسوية بين أطراف هذا النزاع الشائك بامتداداته الإقليمية.
وتقاتل الولايات المتحدة وحلفاؤها وخاصة بريطانيا “داعش” في سوريا من خلال إسناد فصائل مسلحة معارضة بعضها إسلامي التوجه، ترعاه السعودية وقطر، إضافة إلى قوات الأكراد. والدولتان أيضا تدعمان تشكيلات عسكرية تابعة لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، وهي حكومة تضم عناصر متنفذة من “الجماعة الإسلامية المقاتلة” المرتبطة بالقاعدة.
ويختلف الوضع في العراق عن سوريا وليبيا، إذ يقع العبء الأكبر في الحرب البرية في الفلوجة على عاتق المليشيات الشيعية المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي المدعوم من إيران! بالإضافة إلى الدور الهام الذي تتولاه في جبهات الشمال قوات البشمركة.
ويمكن القول إن الولايات المتحدة تحاول في سوريا وليبيا ضرب مسلحي “داعش” المصنفين بأنهم متطرفين إسلاميين بمن تعتقد أنهم معتدلين إسلاميين، وهي تسعى إلى انتزاع “الأرض” بالدرجة الأولى من تحت أقدام “داعش”، ما يعني ضرب مشروع البغدادي ومحاولة دفنه نهائيا، وإغلاق الباب أمام أي محاولة لإقامة ملاجئ آمنة مماثلة دائمة وعلنية.
وتجري الحرب الأمريكية ضد الإرهاب في المنطقة بطريقة انتقائية تحاول فيها واشنطن احتواء فصائل متطرفة وتدجينها وجعلها معتدلة، وهي عمليا تعيد سيرة تنظيم “داعش” الذي تمكن من التمدد في سوريا بإخضاع التنظيمات المسلحة المنافسة أو استمالتها وإرهابها وتذويبها في التنظيم الأم.
هذا الموقف الأمريكي الانتقائي، والذي يتبع سياسة الاحتواء يظهر بجلاء في دعوة الجنرال ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق عام 2015 بلاده إلى الاستعانة ببعض مقاتلي “جبهة النصرة”، فرع تنظيم القاعدة في سوريا” في قتال “داعش”، ما يعني أن المسؤول الأمريكي الكبير السابق لا يرى أي غضاضة في التحالف مع “النصرة” التي أدرجتها واشنطن في قائمة الإرهاب، وذلك باستغلال تنافسها مع “داعش”.
كما يوضح هذا الأمر أيضا، الحرب الشرسة والملاحقة الضارية التي واجهت بها الولايات المتحدة ما يعرف بمجموعة “خرسان” التابعة للقاعدة والتي أرسلها الظواهري إلى سوريا في مهمة خاصة.
الولايات المتحدة كانت وجهت بين عامي 2014 – 2015 ضربات جوية مدمرة ضد عناصر هذه المجموعة، بل وأرسلت قوات خاصة لمهاجمة عناصرها على الأرض. وبرر المسؤولون الأمريكيون ضراوة ملاحقتهم لهؤلاء بالقول إنهم يشكلون خطرا كبيرا على الولايات المتحدة، وإن مهمتهم في سوريا ليست قتال الجيش السوري، وإنما تجنيد أوروبيين وأمريكيين لشن هجمات على الدول الغربية.
وبالطبع يفسر هذا التعليل بشكل تام سرعة وشراسة تحرك الولايات المتحدة ضد عناصر “خرسان” والقضاء على كبار قادته بما فيهم زعيمه السعودي، عبد المحسن الشارخ، المعروف باسم سنافي النصر.
ويبدو من جهة أخرى هذا الاندفاع المبرر غريبا بالمقارنة مع تعامل الولايات المتحدة مع أخطر هجوم لـ”داعش” في العراق صيف عام 2014، حين اجتاح الموصل وسيطر على كميات هائلة من أسلحة الجيش العراقي، ولم ترد واشنطن ولو بطلقة إلا بعد مرور عام كامل على الواقعة.
قد يقول قائل إن الولايات المتحدة قوة عظمى لها سياستها وأدواتها واستراتيجيتها التي تخفى أحيانا أهدافها البعيدة وتشتبه على الآخرين. إلا أن الرد على مثل هذا الموقف قد نجده في أفغانستان، حيث جمع الأمريكيون بذور التطرف من مختلف الدول العربية وزرعوها هناك لمحاربة السوفييت، وفي ذلك المرجل ازداد تركيز التطرف، وعاد خطره بالويل على الولايات المتحدة ذاتها في هجمات 11 سبتمبر.
وحين انتقمت واشنطن من القاعدة في أفغانستان، وطالت حربها على “الإرهاب” العراق الذي لا ناقة له ولا جمل بمأساة سبتمبر، خرج إلى النور “داعش”، الأشد تطرفا ودموية، فماذا سيتمخض عن الحرب ضد “داعش” في العراق وليبيا وسوريا واليمن بحسب السيناريو الأمريكي البريطاني؟
في المحصلة، لم يتعلم الأمريكيون من تجربة أفغانستان ولا العراق، فمدوا أيديهم إلى ليبيا وأسقطوا وحلفاؤهم نظام العقيد القذافي، وسلموا البلاد إلى مليشيات متطرفة متنوعة، وخسروا جراء ذلك سفيرهم في حادثة الهجوم على القنصلية الأمريكية ببنغازي يوم 11/ 09 /2012.
مع كل ذلك تمضي الولايات المتحدة قدما في سياساتها الخطرة، ولا تتردد في التحالف مع “مقاتلين مشبوهين” تصفهم بالمعتدلين وتمنحهم صكوك البراءة لأنهم يقاتلون أعداءها ويشتركون معها في نفس الهدف مؤقتا، وحين ترتد أسلحتهم عليها كما حدث في أكثر من واقعة، لا يظهر عليها أي إحساس بالندم، وهذا يعني أنها تتصرف كما لو أنها تراهن على تدجين التطرف تدريجيا، وإقناع فصائله المختلفة بأنه مطلق السراح في أن يفعل ما يريد في منطقته، ومحكوم عليه بالإعدام إن فكر في استهداف الولايات المتحدة وحلفائها.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر