“الجيش الحر صراصير وجرذان وكلاب”. بهذه التوصيفات نعتت الطفلة السورية سدرة وهي تجهش بالبكاء من أطلقوا قذائف هاونهم التي بترت ساقيها وقتلت شقيقتها الحامل وابنها متمنية لهم عذاب جهنم.
أبكت مأساة الطفلة السورية سدرة زعرور كل من سمع بقصتها ونكبتها وأحزنت قلوب ملايين السوريين والروس ومعهم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي لبّى استغاثة ذويها، بعد أن لجؤوا بها إلى العسكريين الروس في قاعدة “حميميم” الجوية السورية طالبين من موسكو العون والنجدة، فكان نداؤهم مجابا.
وبتكليف من شويغو، أرسلت وزارة الدفاع الروسية طائرة “إيل-76” وعلى متنها فريق إسعاف خاص بتجهيزاته الطبية إلى “حميميم” التي وصلتها سدرة على متن مروحية عسكرية روسية حملتها وأمها والفريق الطبي السوري المرافق من حلب.
وقبل المغادرة إلى “حميميم”، سردت سدرة حكايتها على أحد العسكريين الروس ورفيقه السوري الذي جهد في ترجمة الحكاية لفريق وكالة “آنا نيوز” الإخبارية الروسية، وشرحت كيف قتلت القذيفة شقيقتها وصغيرها لتبقى هي واعية والنار تستعر من حولها.
والملفت في حديثها الوارد في التسجيل المرفق بهذا التعليق، أنها حينما وصفت عناصر “الجيش السوري الحر” بـ”الجرذان والصراصير والكلاب”، بل بـ”الشياطين”، أنها أكدت لمحادثها الروسي أنها “لا تسمح لنفسها عادة بإطلاق أوصاف كهذا على أحد، باستثناء هؤلاء”.
وفي عتب سدرة على من كانوا وراء نكبتها، خصّت الرئيس الأمريكي باراك أوباما “ببصقة”، ربما في اقتباس من الكبار المؤمنين بأنه هو وغيره كانوا سبب مصيبة السوريين ومحنتهم، وأضافت: “أوباما لا يستحق أن يكون رئيسا لشعب. هل يمكن القبول بما حدث لي؟ ولماذا هو لا يقتل ولدا من أولاده؟ ولماذا لا يحسّ بنا، ونحن بشر مثلهم من خلق الله؟”.
وحينما عرّجت بحديثها الذي أبدت فيه حكمة لم يبلغها الكثيرون من الكبار وفي مقدمتهم زمرة من الزعماء والرؤساء المتورطين في إراقة الدم السوري ودم شقيقتها وابنها، ناشدت ببراءة طفولتها الروس أن يحمل كل منهم القرآن أو الإنجيل، إن كان مسلما أو مسيحيا ويدعوا إلى الله أن يرفع عن سوريا محنتها ويعيدها إلى سابق عهدها ويرتفع علمها عاليا خفاقا في سمائها وسماء حلب، التي وصفتها بعبارات يعجز شاعر مخضرم عن نسجها.
رئيس الفريق الطبي الروسي الذي وصل للوقوف على حالة سدرة، أشاد بجهود الأطباء السوريين لما بذلوه من جهود جبارة لإعادة الطفلة إلى الحياة كما قال، وأكد أن “روسيا الاتحادية تبحث في الوقت الراهن كيفية تقديم العلاج المطلوب لها ومساعدة ذويها في كربتهم”.
وأضاف أن سدرة بحالة نفسية حرجة، ولا بد من تقديم العلاج المناسب لها في روسيا، والذي سيقتصر في المرحلة الأولى منه على منع تلوث جروحها البالغة ومكافحة العدوى في دمها، ليصار في أعقاب ذلك إلى علاجها الفيزيائي وتركيب طرفين اصطناعيين لها.
ما حكته سدرة في الفيلم القصير الذي أعدته “آنا نيوز” تحت عنوان “روح شوّهتها النار”، أطلعت فيه العالم على مشهد وجيز مما تعانيه سوريا وأطفالها في محنة لم يشهد أهل الشام لها مثيلا، بل ربما هي أفظع من هجمة التتر والمغول وبعدهم العثمانيين.
كما لخصت كذلك، ما عاناه أطفال منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا، والذين محنتهم كانت أقل وقعا مما حلّ بأقرانهم السوريين نظرا لوقوف روسيا إلى جانب ذويهم واستقبالهم في معسكرات أطفالها الصيفية ومراكز الإيواء بعيدا عن الحرب وويلاتها، فضلا عن التحاقهم بمدارسها، فهم روس القومية، ولا عناء لهم في التعلم بالروسية.
وبالوقوف على حال الأطفال في سوريا وجنوب شرق أوكرانيا، تستعيد الذاكرة جمهورية القرم، والمصير الذي أعد لأهلها وأطفالها لولا روسيا، حيث كان من المقرر أن تشتعل على أراضيها حرب قومية طاحنة، حتى تصبح بعد تفريغها من سكانها الروس قاعدة لأساطيل الناتو، ومرتعا للقوى والتيارات النازية الجديدة والإسلامية المتطرفة على تخوم روسيا الجنوبية، ومنطلقا لهجمات ترهق روسيا وتجهدها.
أطفال القرم، منّ الله عليهم باعتراف روسيا وشعبها باستقلال جمهوريتهم عن أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا الاتحادية لتصبح قلعة حصينة ينامون قريري العين فيها، ويرتادون مدارسهم ويلعبون ويمرحون، بل يستجمّون صيفا في معسكر “أرتيك” النموذجي للأطفال الممتد على 42 هكتارا ويستوعب 30 ألف طفل سنويا منذ أن شيد سنة 1925 في العهد السوفيتي وقبل إلحاق القرم إداريا بأوكرانيا.
والسؤال، هل أن سدرة هي الطفلة الوحيدة في سوريا التي تثكل قريبا وترى الموت بأم عينها و”تشوّه النار روحها” رغم نعومة أظفارها؟ وما هي الجهة التي ستسعف أطفال سوريا وتبعدهم عن الحرب وتمنع عنهم قذائف الهاون وتكبيرات الصراصير والجرذان والكلاب والشياطين، وهل على روسيا وحدها أن تتحمل سائر هذه الأعباء؟
ومتى سيكف المتواطؤون مع الإرهاب، ومربو الأفاعي كما تصفهم الدوائر الروسية عن إرسال المال والسلاح ووسائل القتل إلى الإرهابيين في سوريا، وهل سترى بروكسل وواشنطن قوافل مسلحي “النصرة” الجرارة التي صورتها الأقمار الاصطناعية الروسية مؤخرا وهي في طريقها من تركيا إلى شمال حلب موطن سدرة وأهلها؟
سدرة في حديثها لـ”آنا نيوز”، أعربت عن رغبة قديمة وجامحة لديها في زيارة روسيا والتعرف على الأطفال فيها واللعب والمرح معهم كما شاهدتهم عبر شاشة التلفاز!
أمنيتها الأولى، أي زيارة روسيا تحققت، رغم أنها كانت مجبولة بأثر المصاب الذي ألمّ بها وبذويها، فيما تتمنى لها سوريا وروسيا اللتان أكدت سدرة أن اسمهما يتكونان من نفس الأحرف، تتمنيان لها الشفاء العاجل والوقوف بفضل الأطباء الروس على ساقين يحملانها لتلعب وترقص وتمرح إلى جانب أترابها الروس كما كانت تحلم!
سيريان تلغراف | صفوان أبو حلا
http://www.youtube.com/watch?v=gYmvoGg0hzE&feature=youtu.be