قالت الأمم المتحدة إن موعد الجولة المقبلة من المحادثات السورية لم يحدد بعد ساعات من تصريح نقل عن نائب وزير الخارجية الروسي باستئنافها في جنيف يوم الـ 10 من مايو/ أيار المقبل.
لكن توقيت بدء الجولة المقبلة لم يعد ذا أهمية في ضوء الفشل الأممي في تحريك المياه السياسية الراكدة، وفي ضوء التطورات الميدانية في محافظة حلب ودخولها في مرحلة الأزمة الإنسانية.
ودعوة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا اليوم رئيسي روسيا والولايات المتحدة إلى إنقاذ وقف الأعمال القتالية في سوريا مؤشر على الأزمة التي تعيشها عملية السلام.
كما زيارة دي ميستورا المرتقبة إلى موسكو الأسبوع المقبل، وهي زيارة لم تكن مدرجة على جدول الأعمال، تبين مدى أهمية التدخل الروسي لمنع انهيار مفاوضات التسوية، ومحاولة الضغط على دمشق لتخفيف ضرباتها في حلب خشية من عودة الأمور إلى ما قبل 27 فبراير/شباط الماضي موعد بدء وقف الأعمال القتالية.
أمام دي ميستورا أيم قليلة لإنقاذ العملية السياسية، لكن الأزمة السورية تتجاوز المبعوث الأممي وربما تتجاوز الأمم المتحدة ذاتها، فأطراف الصراع السوري والإقليمي والدولي ما يزالون مختلفين حول كثير من القضايا، بما فيها الأمور الثانوية.
والتباين في التصريحات الدولية حول استئناف جولة المفاوضات المقبلة هو الأول من نوعه، إذ لم تعرف الحالات السابقة حدوث تباين في التصريحات حيال المواعيد، وهذا الأمر يؤكد مدى التباين الكبير الذي ما زال قائما بين أطراف الأزمة السورية وداعميهم الإقليميين والدوليين.
أجندات متباعدة
فشلت الأمم المتحدة إلى الآن في تقريب وجهات النظر بين فريقي التفاوض السوريين، وما تزال عقدة مصير الأسد وهيئة الحكم العقدتان اللتين تمنعان من انطلاق المفاوضات بشكل جدي، فلكل طرف قراءته الخاصة، فيما للأمم المتحدة قراءة أخرى تقع في الوسط وإن كانت مبهمة وفضفاضة.
والمشكلة أن كلا الطرفين يعلم أن الصيغة التي يقترحها لن يكتب لها النور، ليس لرفض الطرف السوري الآخر لها، بل أيضا لأنها لا تستجيب للتفاهمات الدولية من أجل حل الأزمة السورية، وإصرار الطرفين على مواقفها نابع من موقف تكتيكي غايته رفع سقف التفاوض، ومن موقف استراتيجي، فكلا الطرفين لم يصلا بعد إلى قناعة أن حل المسألة السورية لا يكون قطعيا وسريعا، وإنما بالتدرج البطيء.
لا يمكن حل المسألة السورية باستبعاد الأسد خلال المرحلة الانتقالية، لأن من شأن ذلك أن يعرض بنية النظام ومؤسساته إلى التضعضع، كما لا يمكن بالمقابل تصور بقاء الأسد أثناء الحديث عن حل سياسي للأزمة.
وقد أزداد الأمر تعقيدا مع انفلات حلب من الهدنة العسكرية والتي تحولت إلى ساحة صراع إقليمية ودولية، وكأن مصير مفاوضات جنيف يحسم في شوارع بلدات ومدن حلب.
وسيكون أمام دي ميستورا مهمة صعبة جدا في إعادة تصحيح مسار جنيف، في وقت لا تبدو المعارضة مستعدة للمضي قدما وهي مدعومة في موقفها من الرياض وأنقرة، ولن تقبل بالعودة إلى جنيف دون حصول تغيرات على الأرض وتغيرات في المواقف السياسية، وهذا أمر في تقديري لن يحدث.
وهنا سيقع الوفد في مشكلة، فإن أصر على موقفه في عدم العودة إلى جنيف فسيعطي بذلك الفرصة للقوى السياسية الأخرى لمليء الفراغ ولو جزئيا، وإن قبل العودة دون حصول تغيرات ميدانية وسياسية، فسيكون بذلك قد أضاع ورقة الضغط الوحيدة التي يمتلكها أمام الأمم المتحدة المتمثلة بعد المشاركة.
أما دمشق فقد حققت نصرا سياسيا مهما بانسحاب وفد الهيئة العليا للمعارضة، إذ أدى هذا الانسحاب لحضور وفود مؤتمرات موسكو والاستانة والقاهرة، وهي المدن الثلاثة التي شهدت اجتماعات لقوى سياسية ما تزال إلى الآن في الصف الخلفي من مفاوضات جنيف، وفعلا التقى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا مع هذه الوفود التي لها خلفيات سياسية مختلفة وإن كانت متقاربة في بعض القضايا، ووجه لهم الدعوة للمشاركة في محادثات جنيف.
وليس معروفا إلى الآن طبيعة الدعوة، هل سيبقون في الصفوف الخلفية أم سيكونون جزءا من وفد المعارضة، وهي المسألة التي ستكون في تقديري عنوان النقاش السياسي على المستوى الدولي قبيل انطلاق الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف.
لكن المهم أن الجولة الحالية كانت بالنسبة لدمشق في غاية الأهمية إذ منح المبعوث الأممي فرصة للاستماع إلى الوفود الثلاثة اغير المشاركة مباشرة في المفاوضات، وكانت فرصة لتوجيه ضربات سياسية للمعارضة، ولعل تصريح ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية أمس فيه رسالة واضحة “تصرف الهيئة العليا للمفاوضات مقلق فقد فشلت في التقدم بمقترحات بناءة في المحادثات”.
سيريان تلغراف | حسين محمد