نشرت صحيفة “إيزفيستيا” مقالا بشأن خطورة المخططات الأمريكية في حال فشل التسوية السلمية للأزمة السورية، مشيرة إلى إنها ستكون تكرارا لخطأ أفغانستان.
جاء في مقال الصحيفة:
إن الحديث عن شرعية الانتخابات التي أجرتها حكومة بشار الأسد ومستقبل الحفاظ على العملية السياسية بعدها، يمكن اعتباره ببساطة خطوة جريئة رمت جانبا “الخطة باء”، التي تحدث عن تنفيذها “محللون في وكالة الاستخبارات المركزية” في سوريا، في حال وصول عملية التسوية السياسية إلى طريق مسدود.
وبصورة عامة، فإن مناورات الجانب الأمريكي حول “الخطة ألف” – أي وقف إطلاق النار والتسوية السياسية – تقدمت أكثر إلى “الواجهة”. فالإدارة الأمريكية تتصرف في ظل انعدام الوقت اللازم؛ حيث لم يبق لدى أوباما سوى بعض الوقت ليعلن نفسه “صانعا للسلام في سوريا”، ولا سيما أنه يحتاج إلى إنجاز إيجابي قبل انتهاء فترة رئاسته في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ليزيل الصورة السلبية التي ترافقه. أما ماذا سيحصل بعد ذلك فليس مهما.
وقد اتضح أن “خطة باء” لا علاقة لها بالتسوية السياسية، لأنها تتضمن زيادة توريد الأسلحة إلى “المعارضة المعتدلة”، التي تتحول باستمرار إلى “غير معتدلة” فور تسلمها الأموال والأسلحة من الولايات المتحدة.
وهذا ما يعترف به الأمريكيون، حين يقولون إن المستقبل السياسي لزبائنهم في سوريا مشكوك فيه. في حين أن جوهر “الخطة باء” يتضمن توريد أسلحة دفاع جوي لـ “المعارضة المعتدلة” لحمايتها من الغارات الجوية.
وذلك ما يشير إلى أن السياسة الأمريكية في الشرقين الأوسط والأدنى أكملت “دورة كاملة” وعادت إلى مفترق عام 1986، حين قررت توريد صواريخ “ستينغر” المضادة للجو إلى “المناضلين من أجل الحرية” في أفغانستان، كما سماهم رونالد ريغان، ليتخذ النزاع الأفغاني بعدا جديدا.
ومن المعلوم أن توريد الأسلحة إلى ما يسمى “الأممية الأفغانية” من قبل الولايات المتحدة هو الذي أدى إلى ظهور “القاعدة” و”داعش”. ولعل الولايات المتحدة محقة في إشارتها إلى أن “القاعدة” تشكلت بأموال سعودية، وبأيدٍ أمريكية.
أي إن السياسة الأمريكية عادت إلى تلك النقطة وتقريبا مع نفس الحلفاء وبنفس الأفكار وإلى نفس النتائج، ولكن على مستوى تكنولوجي جديد، ومستوى عالمي جديد للعنف.
ولا يخفى أن هذا الأمر خطير جدا. لأن مناورات الإدارة الأمريكية تشير إلى أنها سياسيا ومن ناحية صورتها، تبدو من وجهة نظر الأشخاص العمليين في واشنطن حادة على أقل تقدير.
وبالطبع، فإن جميع المساهمين في العملية السياسية – الدعائية الأمريكية بشأن سوريا ينفون وجود مثل هذه الخطة، ويؤكدون أنها حتى ولو كانت موجودة، فإن المضادات الجوية ستزود بـ”منظومات رادار أرضية” لتحديد مداها القتالي.
بيد أن مشكلة “الخطة باء” الأمريكية بشأن سوريا ليست في أنها ستزعزع الاستقرار في مجمل الشرق الأوسط، بل في أن ظهورها إعلاميا، حتى ولو من باب الدعاية، للضغط على روسيا (وعلى إيران والأسد بدرجة أقل) يبين درجة عدم المسؤولية الجيوسياسية القائمة في واشنطن.
فالإدارة الأمريكية الحالية الساعية للانتقام تجاوزت “الخط الأحمر” عندما بدأت حربها الإعلامية، التي لم تجرؤ على استخدامها حتى في أصعب ظروف الحرب في شرق أوكرانيا.
وليس معروفا إلى أي حد سيصل تجاوز الولايات المتحدة لـ “الخط الأحمر” في السياسة العملية. ولكن يجب أن نتذكر أن اللامسؤولية لا تقتصر أبدا على “بؤرة” محددة، لأنها إما أن تظهر في كل مكان أو لا تظهر. ويجب عدم استبعاد تحول ما يقال عن “الخطة باء” إلى موضوع للمناقشة لتحديد سلبيات وايجابيات توريد الصواريخ المضادة للجو وغيرها من الأسلحة المشابهة.
ومع الأسف، فإن الولايات المتحدة لا تأخذ عبرا من دروس التاريخ. صحيح أن صواريخ “ستينغر” لم تطلق ضد الطائرات الأمريكية في أعوام الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. ولكن هجمات الـ 11 من سبتمبر/أيلول عام 2001 كانت ضربة كبيرة، وفرضت على الولايات المتحدة الدخول في “دوامة العنف” التي تستمر منذ 16 سنة.
ويمكن الاستنتاج من هذا أن السياسة الأمريكية في سوريا وفي الشرق الأوسط عموما أصبحت أكثر فوضوية، وبات هدفها الحصول على نتائج سريعة دون أن تبالي بالوسائل والشركاء. ومن الصعب أن تملك واشنطن الإرادة والقوة اللازمة للخروج من “دوامة العنف” في الشرقين الأوسط والأدنى التي هي نفسها خلقتها.
ويمكن القول ببساطة إن “نافذة الإمكانات” في العلاقات الأمريكية-الروسية بشأن تسوية النزاعات في سوريا والعراق آخذة بالانغلاق، إن لم تكن قد انغلقت تماما.
سيريان تلغراف