ظنوا أن “عهدا” جمعهم بالتنظيم وأنهم سيفّدون بدمائهم راية تلك “الخلافة” المسماة بـ”الدولة الإسلامية في سوريا والعراق”، واعتقدوا أنهم سيظلون أوفياء لتنظيم بدأ نجمه في الأفول.
مقاتلون كثر قدموا من شتى أنحاء العالم، وأعلنوا ولائهم المطلق لتنظيم اشتهر بالذبح والقتل، ورادف اسمه لكل شر مطلق، ورغم ذلك مخروا عباب البحار، وقطعوا آلاف الأميال لنصرة “داعش” في بسط زعامته على مناطق أحكم السيطرة عليها في سوريا والعراق.
“أبو علي” الذي اعتقد “يوما” أن انضمامه لـ”داعش” مطلع عام 2015، سيهبه حياة جديدة وقطع “خيوط الماضي”، إيذانا ببدء حياة أخرى في أحضان “جنة وهمية” وعد بها التنظيم.
هذا المقاتل المنشق عن التنظيم بعد مضي 3 أشهر فقط من انضمامه إليه، يروي لـ”غارديان” البريطانية الواقع المرير الذي عاناه في تلك الفترة القصيرة من تجربته مع التنظيم، بعدما فقد “إيمانه” المطلق في ذلك الحلم الذي داعب مخيلته فيما مضى.
يستحضر “أبو علي” (الكنية التي أطلقها عليه التنظيم) بدايات دخوله إلى سوريا التي جرت عبر شبكات تهريب، ليستلمه في الأخير مقاتل من “داعش”، حيث قبع في منزل كان يعج بعشرات الأجانب من جنسيات أمريكية وبريطانية وفرنسية، وأخرى.
أولى معاناته مع “داعش” كانت توبيخه لتعاطيه التدخين، وذلك مع وصوله إلى مدينة الرقة معقل التنظيم في سوريا، كما لامس مدى وحشية التنظيم وقسوته غير المسبوقة مع “كائنات الله” بلا تمييز، فحتى الطيور اختبرت هي أيضا فظاعة “عراب الموت” في المنطقة، ليقدمها عناصر التنظيم “كقرابين” للتدريب على ذبح كل خائن، على حد قوله.
لينتهي مطاف تلك التجربة ذات يوم، بإسناد أحد قادة التنظيم لـ” أبو علي” (38 عاما) مهمة انتحارية، مزودا إياه بحزام ناسف لتنفيذ المهمة الخاصة، لكنه عصى هذا الأمر، وخاطب قائده قائلا: “لماذا لا تلبسه أنت، فأنت تريد الذهاب إلى الجنة أكثر مني”..فكان الرد حازما تذكرنا بمقولة “العصا لمن عصى”.
ونبذ “أبو علي” من جنة “داعش”، ليقرر بعدها استئناف حياته السابقة ويمحو “داعش” من أرشيف ذاكرته. وقصة أبو علي لا تختلف كثيرا عن غيرها من قصص “التائبين” التي ترد إلى مسامعنا بين الفينة والأخرى، مجمعين على أن المال هو إله التنظيم، وأن ما يروجونه عن نصرتهم لدين “الإسلام” ليس سوى بروباغندا لاستقطاب وافدين جدد إليه.
شبان المنطقة العربية “يلفظون” داعش
ربما تتقاطع قصة “أبو علي” مع آخر استطلاع للرأي في عام 2016، في صفوف شباب المنطقة العربية، الذي خلص إلى أن شباب المنطقة يرون التنظيم كـ” أكبر تحد” تواجهه المنطقة العربية، مبدين قلقهم من تنامي “داعش” في المنطقة العربية.
وكان معهد “بن شوين بيرلاند” الأمريكي أجرى الاستطلاع، في دول مجلس التعاون الخليجي، و10 دول عربية أخرى، منها العراق ومصر واليمن وليبيا وتونس، وشمل 3500 شخص بين 18 و24 عاما، وأجري بين 11 يناير/كانون الثاني و22 فبراير/شباط 2016.
هذه الدراسة وإن دلت على شيء، فهو أن الشباب الذي عاين حجم الخراب والإرهاب في بلاده، وتعرفوا عن قرب على “الوجه الحقيقي” للتنظيم باتوا أكثر وعيا وحذرا من عمليات جرهم إلى “مستنقع” التنظيم المحفوف بالموت.
فبعد أن خسر التنظيم أكثر من 40% من الأراضي التي كانت تحت سيطرته في العراق، وأكثر من 10% في سوريا، بدأ يسجل خسائر كبيرة في عدد المقاتلين الذي انشقوا عنه، وعزوف آخرين عن الالتحاق به.
وتراجع عدد مقاتلي “داعش” جاء رسميا على لسان أنتوني بلينكين نائب وزير الخارجية الأمريكي، الذي كشف أن عدد عناصر “داعش” هو الأدنى منذ عام 2014، فضلا عن خسارته لموارد تمويله، وكانت هذه بمثابة الضربة القاضية للتنظيم المتطرف.
مما لا شك فيه أن التنظيم بدأ نجمه في الأفول، وها هو يصارع سكرات ” نهايته” المحتومة، وحتى أنصاره الذين عول عليهم لبناء ” أسطورته” المزيفة، بدأوا بالتخلي عنه وهربوا من جحيم “إرهابه” ونكثوا ذلك العهد الذي جمعهم به في يوم من الأيام.
سيريان تلغراف