قبل أسبوع واحد فقط من بدء الجولة الرابعة من المباحثات السورية – السورية في جنيف، تتوالى التصريحات التي تقوض العملية السياسية في سوريا حول مصير الرئيس بشار الأسد.
التصريحات والتسريبات التي تهدف عمليا إما إلى إطالة وتأجيل تلك العملية أو تقويضها تركز فقط على مصير الأسد، وكأن هذا الموضوع تحديدا هو مفتاح كل العمليات السياسية الممكنة وغير الممكنة للأزمة السورية.
في الحقيقة، يثير موقف الولايات المتحدة العديد من التساؤلات، الأمر الذي استدعى ردا من الكرملين ومن وزارة الخارجية الروسية. فبعد مباحثات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في موسكو مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ظهرت أنباء منسوبة لكيري تزعم أنه اتفق مع موسكو على مستقبل الرئيس الأسد في التسوية السياسية. وكان الرد الروسي واضحا ومباشرا بأن هذا الموضوع يخص السوريين وحدهم الذين يجب أن يناقشوا قضاياهم الداخلية ويحددوا أولوياتهم وفقا لمجريات العملية السياسية.
وكان من الطبيعي أن تنفي الإدارة الأمريكية كل الأنباء التي تقول بأن “واشنطن وموسكو توصلتا إلى اتفاق بشأن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد إلى بلد ثالث من أجل الحصول على لجوء سياسي”. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إليزابيث ترودو إن “هذا الكلام ليس صحيح على الإطلاق”. ولكنها من جهة أخرى أكدت تأييد الولايات المتحدة للمحادثات السورية السورية في جنيف، مشددة في الوقت نفسه على أن “موقف بلادها من الأسد لم يتغير”.
كل ذلك لم يمنع الحوار الروسي – الأمريكي حول الأزمة السورية والعملية السياسية هناك. إذ تم بحث سبل تعزيز وقف إطلاق النار ومكافحة الإرهاب في سوريا، وتوسيع إيصال المساعدات الإنسانية، خلال مكالمة هاتفية بين لافروف وكيري في الأول من أبريل/ نيسان الحالي. ومع ذلك، فهناك العديد من الأطراف الإقليمية والدولية يحاول وضع العصا في الدولاب، مفضلا تكرار التجربة العراقية عندما كان مصير صدام حسين هو الشغل الشاغل للجميع، والقضية الرئيسة التي تصوَّر الجميع أنها مفتاح الاستقرار في العراق. وبالفعل تم استخدام مواقف الأطراف المحلية والإقليمية من قبل الأطراف الدولية للتخلص من صدام. ولكن لم يتم حل أي شئ، أو حتى الاقتراب من مفهوم الاستقرار، ولو نظريا. وعلى الفور قامت الأطراف الدولية بالتخلص من الحلفاء المحليين ليحل محلهم فريق آخر، ثم ثالث ثم رابع، إلى أن وصلنا إلى الوقت الراهن الذي يشكل فيه العراق بؤرة للإرهاب الدولي، وسابقة في العمليات الانفصالية والتراكيب الطائفية والعرقية التي لا تريد ولا تستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض. ناهيك عن التدخلات الإقليمية والدولية التي تصب المزيد من الزيت على النار في العراق.
يبدو أن أطرافا بعينها تسعى، وقبل أسبوع واحد فقط من جولة جنيف الرابعة، إلى إعادة الأمور إلى الوراء والتركيز على بند واحد فقط. الأمر الذي استدعى بعض التصريحات الروسية التي تبدو كتحذير من إفساد البدايات المبشِّرة للعملية السياسية. إذ اقترحت موسكو مجددا إرجاء مناقشة مصير الرئيس السوري بشار الأسد. وكشفت بشكل غير مباشر عن وجود دول ومعارضين سوريين يعتبرون أنهم يملكون الحقيقة، ما يجعلهم غير مستعدين لقبول فكرة بقاء شخص بشار الأسد في مركز الساحة السياسية السورية.
لقد دعت روسيا، على لسان نائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف، إلى “تأجيل” بحث موضوع مستقبل الأسد لكي تحدد الأطراف السورية نفسها متى وعلى أي أساس سيطرح هذا الموضوع من جديد، تفاديا لتقويض العملية السياسية وتطبيع الأوضاع وإفساد العمليات الإنسانية التي تجري بنجاح نسبي في سوريا. هنا لا يمكن أن نتجاهل كل الخطوات التركية التي تهدف إلى تقويض ما يمكن تقويضه، لا شئ إلا للتأكيد على “حصافة” الرئيس إردوغان وصحة آرائه، وضرورة تحقيق طموحاته التي أصبحت تشكل خطرا ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، بل على الدولة التركية نفسها.
إن موسكو لا تستثني ولا تستبعد بحث مستقبل الرئيس بشار الأسد، ولكن ليس بمعزل عن مجمل العمليات السياسية والإنسانية والتشريعية في سوريا، وليس أيضا بمعزل عن إرادة السوريين أنفسهم، سواء الأطراف المتفاوضة أو المواطنين السوريين أنفسهم. أي أن العملية السياسية ما هي إلا رزمة من البنود التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض حتى لا تختل المعادلة السياسية ويتكرر مصير العراق في سوريا. ولكن الولايات المتحدة التي ترواح في منتصف الطريق، لأهداف خاصة بها هي بشكل حصري، تريد إرضاء الصقور الإقليميين والمحليين من جهة، وتحقيق مصالحها الكبرى والحصرية من جهة أخرى، وتقليص مساحات الأطراف الأخرى من جهة ثالثة، والحفاظ بطبيعة الحال على أمن إسرائيل من جهة رابعة، وتأديب بعض الدول من جهة خامسة.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ