ضبط كيري ساعته حسب توقيت الكرملين، وحضر حاملا حقيبة تتضمن ملفات سوريا ومحاربة الإرهاب وأوكرانيا، على أمل التوصل إلى حلول وسط.
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري رفع مستوى التوقعات والآمال بالتوصل إلى تفاهمات روسية أمريكية، تمهد لظهور “الدخان الأبيض” عقب اجتماع مقرر مع الرئيس فلاديمير بوتين.
ونوه الوزير الأمريكي بانخفاض مستوى العنف في سوريا بنحو 80 في المئة بفضل الهدنة، التي رعتها موسكو وواشنطن. وأعرب عن أمله في أن يسفر تعاون الطرفين عن نتائج إيجابية؛ مؤكدا أن أحداث بروكسل أثبتت ضرورة القضاء على تنظيم “داعش”.
وعلى الرغم من إيجابية نبرة كيري الإيجابية، فإن المباحثات هي صعبة في هذه الملفات؛ وكذلك فيما يخص أوكرانيا، نظرا لاختلاف نظرتي موسكو وواشنطن، وغياب هوامش واسعة للمناورة وتقديم تنازلات متزامنة.
ويوضح الحراك الدبلوماسي الكثيف، الذي تشهده موسكو، أن البحث عن حلول في القضايا الخلافية، جار على قدم وساق. إذ استقبلت موسكو أمس (23 03 2016) وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر-شتاينماير. ومن المتوقع أن يلتقي بوتين اليوم (24 04 2016) ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. كما أن الخارجية الإيطالية كانت قد أعلنت أن الوزير باولو جنتيلوني سيقوم بزيارة عمل قصيرة إلى موسكو.
البناء على اتفاقي الكيميائي والهدنة ولكن!
ويتصدر الملف السوري جدول مباحثات كيري في موسكو. ويبدو أن واشنطن ترغب في الاطلاع في شكل مباشر على تقديرات موسكو بعد سحب الجزء الأكبر من قواتها من سوريا منتصف الشهر الحالي.
وتكمن أهمية المباحثات في تزامنها مع اختتام جولة المفاوضات غير المباشرة بين الحكومة السورية والمعارضة في جنيف. ويبدو أن الجانبين يرغبان في البناء على نتائج التعاون الثنائي السابق في قضية السلاح الكيميائي، وبعدها الهدنة، التي أسهمت في جمع الفرقاء السوريين في جنيف.
وفي ظل عدم التوصل إلى اختراق كبير في جنيف بانتظار الجولة المقبلة، فإن المباحثات تهدف أساسا إلى أن يضغط كل جانب على حلفائه من أجل جسر الهوة فيما يتعلق بالقضايا الخلافية.
فالأطراف السورية في جنيف توصلت إلى توافق على نحو 12 نقطة، أهمها: الإجماع على تنفيذ القرار 2254، والتأكيد على وحدة سوريا، والحفاظ على سلامة أراضيها، والحفاظ على مؤسسات الدولة وإصلاحها؛ والتأكيد على أن سوريا دولة ديمقراطية تعددية.
وتتمحور القضايا الخلافية حول تحديد طبيعة المرحلة الانتقالية. فالمعارضة تريد “تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات تؤدي إلى انتقال حقيقي للسلطة”؛ فيما يصر الوفد الحكومي السوري على “بحث حكومة وحدة وطنية وليس هيئة انتقالية”؛ كما يشدد الوفد الحكومي على أولوية بحث “محاربة الإرهاب” في الجولة المقبلة.
ومن المؤكد أن كيري يريد الحصول على أجوبة من موسكو حول مصير الرئيس بشار الأسد، وحول مصير قاعدتي روسيا الجوية في حميميم، والبحرية في طرطوس، ووظيفتهما في الفترة الانتقالية وما بعدها.
وفي المقابل، فإن موسكو ستركز على وجود قواعد أمريكية في الرميلان شمالَ سوريا، حيث تم إعلان الفيدرالية الكردية.
من جانبه، يعول المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا على توافق موسكو وواشنطن من أجل إنجاح الجولة المقبلة من المفاوضات السورية، وتحقيق اختراق سياسي، بعدما أفلح التوافق في تراجع مستويات العنف إلى مستويات متدنية، ما بعث آمال السوريين في الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار وبدء مرحلة جديدة.
ويجب عدم إغفال عدة عوامل تشير إلى جدية الطرفين في البحث سريعا عن حلول وسط، تضمن توافقا إقليميا واسعا، لعل أهمها: جولة كيري الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، ووجود ولي العهد الإماراتي في موسكو، وتجديد موسكو، على لسان ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، دعوتها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى زيارة موسكو في أقرب فرصة، ودعوة بوغدانوف ممثلين عن “الهيئة العليا للمفاوضات”، المنبثقة عن مؤتمر الرياض لقوى الثورة والمعارضة السورية، إلى موسكو.
محاربة الإرهاب
ومن المنطقي أن يتصدر موضوع محاربة الإرهاب ملفات البحث مع لافروف وبوتين. وتكتسب هذه المباحثات أهمية خاصة بأنها تأتي عقب تفجيرات بروكسل الدموية. ويجب الأخذ في الاعتبار حدثين ميدانيين مهمين: ففي سوريا تواصل القوات السورية التقدم نحو مدينة تدمر، بما تحمله من قيمة استراتيجية ورمزية، وتتم العملية بالتعاون مع سلاح الجو الروسي. وفي العراق، أعلن بيان لوزارة الدفاع إطلاق معركة تحرير الموصل.
ويكشف ربط هذين العنصرين عن توافق أمريكي روسي بأن الوقت حان لاقتلاع “داعش” من جذوره، وأن العملية لن يكتب لها النجاح من دون تنسيق مع القوات على الأرض، ومن دون أن تكون شاملة لمناطق انتشار التنظيم في سوريا والعراق في نفس التوقيت.
أوكرانيا وعقدة دونباس
ويبدو أن أوكرانيا سوف تكون الملف الأكثر تعقيدا على طاولة البحث.
ولعل الطرفين، في غالب الظن، رغبا في إشراك أوروبا من أجل بحث مصير اتفاقات مينسك المتعلقة بتسوية الأوضاع في دونباس شرقَ أوكرانيا. وما يرجح ذلك هو زيارتا وزيري خارجية إيطاليا وألمانيا إلى موسكو.
ويرى خبراء في موسكو أن المباحثات قد تشمل اقتراحات برفع العقوبات المفروضة على روسيا مقابل بعض التنازلات الروسية. وحسب مصادر روسية، فإن “الحل الوسط” المقترح للموضوع الأوكراني يمكن أن تعلنه برلين قريبا، ويتضمن الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، مقابل سيطرة السلطات الأوكرانية على الحدود.
ومعلوم أن الجانب الأوروبي أكثر اهتماما من نظيره الأمريكي في قضية رفع العقوبات وتطبيع العلاقات مع روسيا. ويبقى السؤال: -هل تستطيع واشنطن تقديم تنازلات رغم تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي، يوم 16 مارس/ آذار الجاري، أن العقوبات ضد روسيا لن يتم إلغاؤها قبل تخلي روسيا عن ضم شبه جزيرة القرم، حسب تعبيره؟
فصل المسارات ضمانة الحلول الوسط
وتبدو جدية الحراك الدبلوماسي الروسي الأمريكي واضحة من أجل التوصل إلى حزمة اتفاقات في شأن القضايا، التي تشغل العالم، وتثير الاضطراب وتنشر الإرهاب. ومن المؤكد أن الطرفين يستشعران الخطر الإرهابي قبل هجمات بروكسل الإرهابية وبعدها، وخطر تمدد تنظيم “داعش” والمتطرفين، وعدم وجود حصانة لأي مدينة في العالم من خطر توجيه ضربة إرهابية.
بيد أن الولايات المتحدة ترغب في الأخذ بعين الاعتبار إعطاء روسيا دورا في حل القضايا العالمية لا يرقى إلى اعتبارها قوة عظمى مقررة، بل قوة إقليمية لها مصالح متشعبة؛ في حين أن موسكو تبحث عن شراكة كاملة في إدارة قضايا العالم، ونعي نظام القطب الواحد المهيمن من تفكك الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة.
ومما لا شك فيه هو أن فصل المسارات، وعدم ربط حدوث تقدم في قضية معينة بقضية أخرى، يمكن أن يثمر عن اختراقات قد نسمع عنها قريبا في ملفات سوريا والإرهاب وأوكرانيا وربما في غيرها.
سيريان تلغراف | سامر إلياس