تطرقت صحيفة “موسكوفسكي كومسموليتس” الى قرار الرئيس بوتين سحب القوات الروسية من سوريا، مشيرة الى ان بوتين فاجأ العالم بهذا القرار، مثلما فعل عند إعلانه إرسال القوات الى سوريا.
جاء في مقال الصحيفة:
لماذا أمر بوتين بسحب القوات؟
ان بوتين استاذ المفاجآت، وفي هذه المرة فاجأ الجميع وأخذهم على حين غرة بقراره سحب القوات، كما فاجأهم عندما اعلن ارسال القوات الجوية الفضائية الى سوريا. ورغم ان من السابق لأوانه الحديث عن النتائج النهائية لدور هذه القوات في سوريا، فقرار سحبها يجب الترحيب به.
لقد تمكنت روسيا من الإفلات من الفخ السوري الذي ربما كانت عواقبه على البلاد نظريا اسوأ من حرب افغانستان. فروسيا تنسحب من سوريا مرفوعة الرأس منتصرة، وكدولة عظمى تمكنت من تغيير مسار الحرب الأهلية في سوريا ولم تسمح بسقوط دمشق على يد المتطرفين.
طبعا، المسألة الأساسية التي تواجه المجتمع الدولي في سوريا بقيت غير محلولة، ألا وهي أن “الدولة الإسلامية” الناشطة في سوريا لا تزال تتمتع بقوة كافية، فرغم الضربات القوية التي وجهت اليها، إلا انها لم تهزم نهائيا. وهذا كان من شأنه أن يعطي الحق للرئيس بوتين بعدم سحب القوات الروسية من هناك. ولكن السؤال التالي يطرح نفسه: هل علينا ان نحل مكان المجتمع الدولي؟ هل علينا ان نقوم بدور الجندرمة الدولية؟ وهل علينا تحمل عبء المسؤولية عما يجري في الشرق الأوسط؟.
يمكن الرد على هذه التساؤلات بالنفي القاطع. فمهم جدا في السياسة الدولية وفي العلاقات بين البشر الحضور والمغادرة في الوقت المناسب. لقد عملت روسيا كل ما في وسعها في سوريا. فبعد ان كان نظام الأسد في الخريف الماضي على وشك السقوط في أي لحظة، ولم يكن بإمكانه سوى التفاوض بشأن شروط استسلامه ومصيره، اصبح اليوم قويا، ويتفاوض كرئيس قوي وجيشه يحقق الانتصارات في ساحات القتال.
طبعا كان الرئيس الأسد يود بقاء روسيا، ولكن مصالح روسيا لا تتطابق مع مصالحه، حيث بالنسبة لروسيا كان من المهم عدم السماح بتطور الأحداث ناحية تدمير كافة المؤسسات والبنى التحتية للدولة السورية. وهذا ما تم تحقيقه فعلا.
وتواجه روسيا اليوم مهمة جديدة – العمل على بقاء سوريا دولة علمانية. فأعداء وخصوم الأسد كثر وهم لا يمكنهم ان يوافقوا على بقائه رئيسا للدولة. وروسيا في مفاوضات جنيف بشأن الأزمة السورية وافقت على إرجاء مناقشة مسألة استقالته، وان قرار سحب القوات لدليل على جدية نوايا موسكو.
إن الشرق الأوسط هو هو، وكل قرار سياسي يمس هذه المنطقة يحمل مخاطر سياسية كبيرة. وليس قرار بوتين بسحب القوات استثناء من هذه القاعدة. فلم تعلن الالتزامات الرسمية التي اتفق عليها خلف الكواليس شركاء موسكو الخارجيون الولايات المتحدة والمملكة السعودية مثلا. ونحن لا نعلم ان كانت هناك التزامات أم لا. كما لا نعرف كيف سيكون سلوك تركيا.
ويجب اخذ السيناريو السلبي لتطور الأحداث بعين الاعتبار: فمن جانب الجميع يشكرون روسيا على قرارها الحكيم. ولكنهم من جانب آخر يحاولون افشال المفاوضات السورية – السورية.
ماذا على روسيا ان تفعله إذا ما عادت الأمور الى نقطة البداية من جديد. هل عليها ارسال القوات الجوية الفضائية ثانية الى سوريا؟
إذا لم يتم التحكم بتطورات الأحداث في سوريا فسيكون هذا ضربة قوية توجه لهيبة موسكو في المحافل الدولية، وسوف نظهر وكأننا من السذاجة بحيث لا نعلم كيف نتصرف.
لذلك من الأفضل عدم التطرق الى هذه الأمور قبل الأوان. المهم أن العمليات الحربية للقوات الجوية الفضائية الروسية انتهت أو قاربت على الانتهاء. ولكن مهمة روسيا السياسية في سوريا مستمرة.
ان قرار بوتين بسحب القوات الروسية من سوريا يزيل مخاوف اندلاع حرب عالمية ثالثة. كما انه يخفض احتمال وقوع صدامات حربية روسية- تركية في سوريا. وهذا القرار يعطي موسكو فرصة لتحسين العلاقات مع الغرب ومع بلدان الشرق الأوسط. فهل ستتمكن موسكو من استغلال هذه الفرصة، وهذا هو الأمر المهم هنا طبعا.
سيريان تلغراف