Site icon سيريان تلغراف

غموض الوثائق الدولية يهدد المفاوضات السورية في جنيف

تنطلق الاثنين 14 مارس/آذار جولة جديدة من مفاوضات جنيف السورية وسط تراجع للآمال في إحراز هذه الجولة تقدما في ظل المواقف المعلنة.

وأوضح موفد الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أن المفاوضات ستتركز على ثلاث مسائل، هي: تشكيل حكومة جامعة، وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية برعاية الأمم المتحدة بعد 18 شهرا، تبدأ مع انطلاق المفاوضات.

وتمثل النقطتان الأولى والثالثة جوهر الخلاف بين الطرفين، في ظل غياب صيغة واضحة ومحددة، سواء في قرارات الأمم المتحدة، أو في نصوص التفاهمات الأمريكية-الروسية.

ويبدو الخلاف كبيرا جدا بين الجانبين؛ ففي حين أن المعارضة تؤكد ضرورة إنشاء هيئة حكم انتقالية، ذات صلاحيات تنفيذية كاملة؛ فإن دمشق تصر على تشكيل حكومة وحدة وطنية. والفرق بين الحالتين هو في أن المنظومة الحكومية الجديدة في الحالة الأولى تكون مطلقة الصلاحيات؛ أما في الحالة الثانية فتخضع صلاحياتها لسلطة الرئاسة، ولا تكون مطلقة الصلاحية.

والمشكلة الكبرى في أن وثائق “فيينا-1″ و”فيينا-2” وميونخ، ثم القراران الدوليان 2254/2268.. كلها لم تتحدث عن صيغة حكم واضحة، بل تحدثت عن صيغ عامة، وشكل للحكم غير محدد؛ فالفقرة الرابعة من القرار 2254 تقول “.. يعرب مجلس الأمن عن دعمه، في هذا الصدد، لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية”.

وفي الحقيقة، فإن هذه الصيغة كانت مقصودة من قبل واشنطن وموسكو، لترك تحديد شكل الحكم إلى مفاوضات التسوية، والمهم أن يكون شكل الحكم ذا مصداقية.

في حين أن بيان جنيف الأول (30 يونيو/حزيران عام 2012) نص على قيام “هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة”.

وما زاد في تعقيد المسألة أن القرار 2254 تبنى مخرجات “جنيف-1” وفيينا-1/2″، وبيان ميونخ؛ ما جعل كل طرف يتمسك بما يراه لمصلحته. فالمعارضة تتمسك بجنيف الأول؛ في حين أن دمشق تتمسك بمخرجات فيينا، حيث تقول الفقرة السابعة من بيان فيينا الأول “.. في إطار العمل ببيان جنيف الأول، وقرار مجلس الأمن الدولي 2118، فإن المشاركين وجهوا الدعوة إلى الأمم المتحدة لجمع ممثلي الحكومة والمعارضة في سوريا في عملية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات”.

وقد وجدت دمشق في هذه الفقرة ما جعلها تتمسك بعبارة الحكومة لا بهيئة الحكم الانتقالية، علما أن بيان “فيينا-2” قد أزال هذه العبارة في وثيقته حين ذكر “.. وفي هذا الصدد أكدوا على دعمهم لوقف إطلاق النار الموضح أعلاه، ولعملية بقيادة سورية، من شأنها إقامة حكم شامل ذي مصداقية وغير طائفي، في غضون ستة أشهر”.

هذه الخلاف بدا واضحا أمس (12 03 2016) بشكل جلي؛ حيث أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن الكلام عن الأسد “خط أحمر”، وأن “دمشق لن تحاور أحدا يتحدث عن مقام الرئاسة”، وأن الرئيس بشار الأسد “ملك للشعب السوري”.. المعلم وجه أيضاً نقدا للمبعوث الأممي دي ميستورا بالقول: “لا يحق له ولا لغيره كائنا من كان أن يتحدث عن انتخابات رئاسية (…)، فهي حق حصري للشعب السوري”.

على أن أهم ما قاله المعلم هو أنه “ليس هناك شيء في وثائق الأمم المتحدة يتحدث عن مرحلة انتقالية في مقام الرئاسة، ولذلك لا بد من التوافق على تعريف المرحلة الانتقالية، وفي مفهومنا هي الانتقال من دستور قائم إلى دستور جديد، ومن حكومة قائمة إلى حكومة فيها مشاركة مع الطرف الآخر”.

أما كبير المفاوضين في وفد الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض محمد علوش، فيقول إن المباحثات ستكون لتحقيق انتقال سياسي حقيقي في سوريا، تطبيقاً لما جاء في بيان جنيف الأول والقرار 2254 القاضي بإنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ويضيف أن “المرحلة الانتقالية تبدأ برحيل بشار الأسد أو بموته، فالمرحلة الانتقالية لا يمكن أن تبدأ بوجود هذا النظام أو رأس هذا النظام في السلطة”.

مصير الرئيس السوري، وما يتعلق به في العملية السياسية، ترك بالفعل إلى مرحلة لاحقة؛ لكن المشكلة، التي تظهر مرة أخرى، وتعيدنا إلى المربع الأول، هي حدود شكل الحكم في المرحلة الانتقالية؛ أي هل يكون للأسد صلاحيات بعد تشكيل هيئة الحكم أم لا؟ وإذا كانت له صلاحيات، فهل هي موسعة أم محدودة؟

وترتبط بهذه المسألة قضية الانتخابات، المعضلة الثانية، التي يواجهها الطرفان، ولها شقان: الأول متعلق بتاريخ عقدها؛ هل تكون ضمن المرحلة الانتقالية؟ أم في نهايتها؟ بحيث تشكل نهاية لمرحلة انتقالية وبداية لمرحلة سياسية جديدة. والشق الثاني؛ هل الانتخابات تكون على مستوى البرلمان فقط؟ أم على مستوى البرلمان والرئاسة؟

كذلك، فإن الوثائق الدولية لا تسعف في توضيح هذه المسألة، وجاءت حمالة أوجه بشكل مقصود؛ فالقرار الدولي، الذي يشكل المرجعية الأساسية للعملية السياسية، لم يوضح هذه المسألة، وبناء على الفقرة الرابعة أيضا: “.. يعرب مجلس الأمن كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة”.
لم يوضح القرار ولا الوثائق السابقة (فيينا-1″ وفيينا-“2، وميونخ) إذا ما كانت الانتخابات تشمل الانتخابات البرلمانية والرئاسية معا أم أحدهما.

والمرة الوحيدة التي تم الحديث فيها عن هذه النقطة، كانت تصريحات دي ميستورا قبل أيام، حين قال إن انتخابات رئاسية وتشريعية ستجري في سوريا بإشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهرا.

هذا الغموض في الوثائق الدولية، سيؤثر بالتأكيد على مسار المفاوضات في جنيف.

سيريان تلغراف | حسين محمد

Exit mobile version